القطع وحجيته وانه متى يكون تكليف المولى منجزا ، وفي هذا الباب ذكروا ان التكليف يتنجز بالوصول والقطع ولا يتنجز بلا وصول ولهذا حكموا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
ويقولون هذا وكأنهم لا يفترضون ان هذا تفصيل بحسب روحه في الباب الأول وفي حدود مولوية المولى وحق طاعته ، وقد اتضح مما سبق ان هذا المنهج غير صحيح وان المنجزية التي جعلوها بابا ثانيا انما هي من لوازم أن يكون للمولى حق الطاعة على العبد في مورد التنجيز وأي تبعيض عقلي في المنجزية بحسب الحقيقة تبعيض في المولوية ، فلا بدّ من جعل منهج البحث ابتداء عن دائرة مولوية المولى وانها بأي مقدار ، وهنا فرضيات :
١ ـ أن تكون مولوية المولى امرا واقعيا موضوعها واقع التكليف بقطع النّظر عن الانكشاف ودرجته ، وهذا باطل جزما لأنه يستلزم أن يكون التكليف في موارد الجهل المركب منجزا ومخالفته عصيانا ، وهو خلف معذرية القطع وواضح البطلان.
٢ ـ أن يكون حق الطاعة في خصوص ما يقطع به ويصل إلى المكلفين من تكاليف المولى ، وهذا هو روح موقف المشهور الّذي يعني التبعيض في المولوية بين موارد القطع والوصول وموارد الشك ، ولكنا نرى بطلان هذه الفرضية أيضا لأنا نرى ان مولوية المولى من أتم مراتب المولوية على حد سائر صفاته ، وحقه في الطاعة على العباد أكبر حق لأنه ناشئ من المملوكية والعبودية الحقيقية.
٣ ـ المولوية في حدود ما لم يقطع بالعدم ، وهذه هي التي ندعيها وعلى أساسها ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان التي على أساسها ذهب المشهور إلى التبعيض في المولوية ، وكأنهم قاسوا ذلك ببعض المولويات العقلائية التي لا تثبت في غير موارد وصول التكليف ، نعم لو قيل بان الشارع أمضى السيرة والطريقة المعتادة في المولويات الثابتة عند العقلاء وبمقدار ما تستوجبها من الحق فلا بأس به ويكون مرجع هذا بحسب الحقيقة إلى البراءة الشرعية المستكشفة عن طريق إمضاء السيرة العقلائية.
وعلى هذا الأساس يكون الفرق بين القطع وبين غيره من درجات الاحتمال والرجحان في امرين :
١ ـ ان القطع حجة في جانبي التنجيز والتعذير معا بخلاف المراتب الأخرى التي لا يكون في مواردها إلا التنجيز ، والنكتة في ذلك ما أشرنا إليه من ان حق الطاعة لا يشمل موارد القطع