ندركه بقطع النّظر عن مسألة شكر المنعم الّذي حاول الحكماء أن يخرجوا بها مولوية الله سبحانه ولزوم طاعته ، فان ثبوت الحق بملاك المالكية والخالقية شيء وثبوته بملاك شكر المنعم شيء آخر (١). بل هذا حذوه حذو سيادة الله التكوينية ، فكما ان إرادته التكوينية نافذة في الكون كذلك إرادته التشريعية نافذة عقلا على المخلوقين. وهذا النحو من المولوية كما أشرنا لا تكون إلا ذاتية ويستحيل أن تكون جعلية ، لأن نفوذ الجعل فرع ثبوت المولوية في المرتبة السابقة فلو لم تكن هناك مولوية ذاتية لا تثبت الجعلية أيضا لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وبناء العقلاء على هذه المولوية ليس بمعنى جعلهم لها ـ كما توهم ـ بل بمعنى إدراكهم لها على حد إدراكهم للقضايا الواقعية الأخرى.
٢ ـ المولوية المجعولة من قبل المولى الحقيقي ، كما في المولوية المجعولة للنبي أو الولي ، وهذه تتبع في السعة والضيق مقدار جعلها لا محالة.
٣ ـ المولوية المجعولة من قبل العقلاء أنفسهم بالتوافق على أنفسهم ، كما في الموالي والسلطات الاجتماعية وهذه أيضا تتبع مقدار الجعل والاتفاق العقلائي.
ثم ان المولوية الأولى دائما يحقق القطع صغراها الوجدانية لأن ثبوت القطع لدى القاطع وجداني وثبوت مولوية المولى الحقيقي في موارد القطع بديهي أيضا لأنه القدر المتيقن من حدود هذه المولوية ، إذ لا يعقل أن تكون اكتمال درجة الكشف عن حكم المولى موجبا لارتفاع مولويته وقلتها موجبة لمولويته ولكن نحن ندعي ثبوت هذه المولوية في موارد الظن والاحتمال بل الوهم أيضا وبهذا ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهات البدوية خلافا لما ذهب إليه المشهور وهذا الاختلاف سوف يكون أساسا لكثير من الثمرات في البحوث القادمة.
وتفصيل ذلك : ان المشهور ميزوا بين امرين مولوية المولى ومنجزية أحكامه فكأنه يوجد عندهم بابان أحدهما باب مولوية المولى الواقعية وهي عندهم امر واقعي مفروغ عنه لا نزاع فيه ولا يكون للبحث عن حجية القطع ومنجزيته مساس به ، وباب اخر هو باب منجزية
__________________
(١) لو كان المقصود من المالكية الاختصاص والسلطنة الاعتبارية فهو واضح البطلان وان كان المقصود السلطنة والقدرة التكوينية فيلزم ان لا يكون له حق الطاعة فيما إذا كان خالقا ولم يكن قادرا ومسلطا عليه بقاء مع وضوح بقاء حقه ، وان كان المقصود نفس الخالقية رجع إلى مقالة الحكماء فانهم لا بد وان يريدوا بالمنعم الواهب لنعمة الوجود والخلق للإنسان.