كلّ خبر أغريقي كاذباً فانَّ السالبة الجزئية نقيض الموجبة الكليّة فيلزم من صدقه كذبه ومن كذبه صدقه.
وهذه الشبهة إِنَّما أُثيرت في المنطق لنقض مبدأ عدم التناقض وفي مثله لا معنى لقبول الاستلزام ونفي الوقوع ، لأنَّ العدم أيضا كان محالاً وارتفاعه مع الوجود أيضا محال. فلا بدَّ من إبطال الاستلزام ، وهذا ما نورده في مقامين :
المقام الأول ـ في دفع شبهة التناقض المذكورة ، وحاصله : انَّ هذه القضية قضية خبرية حقيقية تنحل إلى قضايا ومدلولات لا نهائية كلّ قضية منها تقع بنفسها مصداقاً وموضوعاً لقضية أُخرى تنطبق عليها ، لأنَّ كلّ واحدة منها هي قضية خبرية صادرة عن أغريقي وإذا دققنا في هذه السلسلة اللانهائية من القضايا نجد انَّ صدق كلّ واحدة منها يلزم منه كذب طرفيها ما قبلها وما بعدها أي القضية المحكية بها عنها والقضية الحاكية عنها ، لأنَّ المحمول فيها هو الكذب فإذا كانت صادقة كان محكيها كاذبة لا محالة كما انَّ الحاكي عنها كاذبة أيضا لأنَّها تحكي كذبها والمفروض صدقها ويلزم من كذب كلّ واحدة صدق طرفيها لأنَّها تحكي كذب القضية السابقة عليها فإذا كانت كاذبة في هذه الحكاية كان لا محالة ما قبلها صادقة وإِلاّ لم تكن بكاذبة ، كما انَّ ما بعدها الحاكية عن كذبها تكون صادقة لا محالة وهكذا نجد انَّه لم يلزم من صدق كلّ قضية كذب نفسها بل كذب قضية أُخرى ولا من كذبها صدقها بل صدق قضية أخرى. فالخبر الإغريقي الأول إذا كان كاذباً كان نفس هذا الاخبار عن كذبه صادقاً لا محالة ، فإذا كان هذا الإخبار بنفسه موضوعاً لقضية أُخرى تحليلية مستفادة من كون القضية حقيقية لا خارجية فهناك أخبار اخر عن كذبها وذاك أخبار كاذب لأنَّ المفروض صدق الاخبار الأول عن الكذب وهو بنفسه مصداق أيضا لقضية أخرى تحليلية فهناك أخبار اخر عن كذبها لا محالة وهذا أخبار صادق لأن المفروض كذب الاخبار الثاني التحليلي عن الكذب. وهكذا تكون هذه القضايا التحليلية متسلسلة في الكذب والصدق من دون اجتماعهما على مركز واحد وقضية واحدة.
وأمَّا نفس انحلال هذه القضية إلى قضايا لا نهائية من حيث مضمونها فلا محذور فيه ، لأنَّ التسلسل انَّما يكون محالاً في جانب العلل لا المعلولات هذا في عالم الوجود