شيوع الخطأ والاشتباه فيها إذا استثنينا من ذلك جملة من فروع الرياضيات وعلم الحساب والهندسة. وقد حاول الأسترآبادي أن يبرر ذلك بأنها بحسب موادها حسية أو قريبة من الحس أو من البديهيات التي هي قضايا واضحة كالحسية واما غير الرياضيات من العلوم العقلية النظرية فلا تكون موادها حسية ولا قريبة منها ولهذا يكثر فيها الخطأ والاشتباه ولا يصح التعويل عليها ويندرج في ذلك بحوث الفلسفة والأصول العقلية.

وهذا النزاع لا يختلف فيه بين القول بوقوع الخطأ في القوة العقلية المدركة مباشرة أو في تلفيق النّفس واستنتاجها لمدركات القوة المدركة كما يدعيه بعض الفلاسفة القدماء ، فانه على كل حال بحسب النتيجة هناك خطأ في النتائج النظرية العقلية وهو كاف في الغرض الأصولي الّذي يتقصده الاخباري.

ومن الطريف ما نقل عن السيد البروجردي ( قده ) من ان هذه النزعة التي ظهرت على يد الأسترآبادي متسربة إلى الفكر الإسلامي من النزعة التجريبية الحسية في الفلسفة الأوربية آنذاك التي رفضت المدركات العقلية حيث كانت النزعتان متقاربتين زمانا.

وهذه الملاحظة غير صحيحة لما أشرنا إليه في معالم الأصول من ان الاتجاه التجريبي في الفلسفة الحديثة متأخرة زمانا من المحدث الأسترآبادي ، فانها حصلت في أواخر القرن الثاني عشر بينما المحدث الأسترآبادي كان يعيش في القرن الحادي عشر فلو كان هناك تأثير متبادل بين النزعتين فلا بد وأن يكون بالعكس بأن تتسرب النزعة التجريبية من الاتجاه الّذي أوجده المحدثون إلى الفلسفة الأوربية ، إلا ان هذا كله على فرض التعامل مع مدعيات الأسترآبادي على أساس انها تمثل النزعة الحسية في نظرية المعرفة وهذا غير واضح إذ ليس المستفاد من كلامه انه يروم حصر المعرفة البشرية في الحس والتجربة بل غرضه حصر المعرفة بالدليل الشرعي النقلي وإلغاء الدليل العقلي النظريّ في مجال استكشاف الحكم الشرعي.

وأيا ما كان فلتمحيص هذا المدعى والتعليق عليه نتكلم في مقامين أولهما فيما يرجع إلى مدركات العقل النظريّ ، وثانيهما ما يرجع إلى مدركات العقل العملي.

۴۵۶۱