ثانياً : قوله تعالى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... أَوْ نِسائِهِنَّ (١) بدعوى أنّ المراد بالنساء هو المسلمات ، وذلك بملاحظة الإضافة إلى المسلمة.

إلّا أن كلا الاستدلالين لا يمكن المساعدة عليهما.

أمّا الأوّل : فلأن كلمة «لا ينبغي» وإن كانت ظاهرة فيما ذكر ، إلّا أن التعليل المذكور فيها يمنع من حملها على الكراهة فضلاً عن الحرمة ، إذ أن معرفة الكافر بحال المرأة المسلمة ليست من المحرمات قطعاً ، كي يكون التكشف أمراً حراماً باعتبار كونه سبباً لها ، بل لا بدّ من حملها على الإرشاد إلى أمر أخلاقي ، وهو التحفظ عن الكفار حتى في هذا المقدار.

وأمّا الثاني : فلا يخفى ان المحتمل في كلمة ﴿نِسائِهِنَّ أمور.

الأوّل : أن يراد بها الحرائر مطلقاً من دون خصوصية للمسلمة. وذلك ببيان أنّ المستثنى في الآية الكريمة حكم انحلالي بملاحظة كل امرأة بالنسبة إلى أبيها أو بعلها أو أخيها ، إلى آخر ما ذكر فيها ، إذ لا يحتمل جواز إبداء زينتهن لبعولة أو آباء أو إخوان غيرهنّ ، بل يختص الحكم بكل امرأة مستقلة بالنسبة إلى أبيها وسائر أرحامها المذكورين في الآية الكريمة بالإضافة إلى العم والخال. فإنهما وإن لم يذكرا في الآية إلّا أنّ الحكم لهما ثابت إجماعاً ، ولعل عدم ذكرهما إنما هو لوحدة النسبة بين العم وابن الأخ ، وبين الخال وابن الأُخت. فإنها كما يجوز لها إبداء زينتها لابن أخيها وابن أُختها نظراً إلى كونها عمة أو خالة لهما ، يجوز لها إبداء زينتها لعمها وخالها لوحدة النسبة.

هذا كلّه في غير ﴿نِسائِهِنَّ. وأما فيها فلا يمكن الالتزام بكون الحكم انحلالياً ، إذ لا يعقل تصوّر كونها امرأة لامرأة دون أخرى ، فيكون المراد لا محالة طبيعي النساء فيكون المعنى : لا يبدين زينتهنّ إلّا من طبيعي النساء ، وبقرينة عطف ﴿ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ الإماء عليهن يفهم أنّ المراد من طبيعي النساء هو الحرائر ، فيتحصل من الآية الكريمة أنّ طبيعي المرأة لا بأس بأن تبدي زينتها لطبيعي الحرائر وطبيعي الإماء.

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣١.

۳۸۸