أن ترقيقها الثياب ليس هو بمعنى كون ما تلبسه ثوباً يحكي البشرة ، فإنّ مثل هذه الثياب لا يعلم وجودها في تلك الأزمنة ، وإنّما هو بمعنى تخفيف الثياب وعدم تعدّدها بحيث لا يعرف معه حجم البدن نظير لبس الفروة وما شابهها. ولعل في استعمال صيغة الجمع حيث عبّر عليه‌السلام : «وترقّق له الثياب» إشارة إلى ذلك ، إذ لو كان المقصود هو المعنى المذكور لكان استعمال المفرد أنسب. على أن ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم آت هنا بحذافيره.

وأمّا المقام الثاني ؛ فالظاهر أنّه حتى لو فرض للروايات السابقة أو لبعضها إطلاق فإن هناك عدّة نصوص صحاح تقيّدها.

منها : صحيحة هشام بن سالم ، وحماد بن عثمان ، وحفص بن البختري ، فإنّ المذكور فيها : «لا بأس أن ينظر إلى وجهها ومعاصمها» (١).

وتقدم منّا في مباحث الأُصول أنّ القيد لما كان ظاهراً في الاحتراز ، فهو يدلّ على عدم ثبوت الحكم للطبيعة المطلقة حتى الفاقدة له ، وهذا لا يتوقف على القول بثبوت المفهوم بل يثبت ذلك حتى مع عدم القول بالمفهوم ، إذ لو كان الحكم ثابتاً للطبيعة لكان ذكر القيد لغواً محضاً ، ففراراً من محذور اللغوية لا بدّ من الالتزام بعدم ثبوت الحكم للجامع ، وإن كنّا لا نلتزم بانتفاء الحكم عند انتفاء القيد.

ومنها : موثقة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة وأحبّ أن ينظر إليها ، قال : «تحتجز ثم لتقعد ، وليدخل فلينظر». قال : قلت : تقوم حتى ينظر إليها؟ قال : «نعم». قلت : فتمشي بين يديه؟ قال : «ما أحب أن تفعل» (٢).

وحيث أنّ الظاهر أنّه عليه‌السلام في مقام بيان الوظيفة الشرعية ، فتدل الرواية على عدم جواز النظر إلى بدنها ، إذ لو كان ذلك أمراً جائزاً لما كانت هناك حاجة إلى أمرها بالاحتجاز.

والحاصل إنّه لو فرض للأخبار المتقدمة إطلاق ، فهاتان الروايتان تقيدانه وتخصان

__________________

(١) راجع ص ١٢ ه‍ ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ١٠.

۳۸۸