مزيد التحريك وشدة اهتمام المكلّف بالواقع نتيجة قوة الاحتمال عنده.
ومن الواضح انَّ وجوب التحذّر عند قيام الخبر انَّما يكشف عن الحجية في مثل الحالة الأُولى لا الثانية ، فلا بدَّ من ملاحظة انَّ الآية ناظرة إلى أي الحالتين فنقول :
هناك قرينة في الآية تقتضي ظهورها في النّظر إلى الحالة الثانية لا الأُولى وهي تعليل وجوب الإنذار بالتحذر في قوله تعالى ﴿ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ ، فانَّ تعليل الأمر بشيء بعلّة ظاهر في انَّ ذلك الشيء المأمور به ليس تحققه شرطاً في مطلوبية تلك العلّة ومن مقدمات وجوبه بل شرط في وجوده ومن مقدمات وجوده ، ولهذا يصحّ قولك ( توضأ لكي تصلّي ) ولا يصحّ ( أنذر لكي تفي بنذرك ) ، لأنَّ الوضوء في الأول من مقدمات الوجود والنذر في الثاني من مقدمات الوجوب ولا معنى للأمر بإيجاد شرط وجوب شيء ثم تعليله به. إِذن فظاهر هذا التعليل انَّ تحذرهم مطلوب في نفسه بقطع النّظر عن الإنذار وإِنَّ الأمر بالإنذار لمجرّد تحقيق التحذّر المطلوب ومن شرائط وجوده خارجاً ، وهذا يعني انَّ الإنذار ليس هو سبب التنجيز ووجوب التحذر بل التنجيز ووجوب التحذر ثابت مطلقاً والإنذار ممّا يساعد على وقوعه خارجاً حيث يكون منبهاً ومحفزاً على تحرّك المكلّفين ومزيد تخوفهم من النتائج المترتبة على المخالفة وامَّا التنجيز فثابت من أول الأمر بنفس الشبهة والشك كما هو الغالب بالنسبة إلى أصحاب القرى في ذلك الزمان ، إذ كانوا يعلمون إجمالاً بوجود تشريعات ونزول الوحي باحكام في حقّ العباد وهو احتمال منجز امَّا للعلم إجمالاً بالتكاليف في ضمنها أو لكون الشبهة قبل الفحص ، وهكذا يثبت انَّ الآية ناظرة إلى الحالة الثانية التي لا يكون وجوب التحذّر فيها ملازماً مع الحجية.
الثاني ـ انَّ التحذّر قد رتّب على إنذار المخبر لا اخباره ، والإنذار هو الاخبار الموجب للخوف أي الاخبار عن أمر مخوف فإذا لم يكن هناك موجب للخوف في المرتبة السابقة على الاخبار لا يصدق عليه عنوان الإنذار. والملاك للخوف في المقام وإِنْ كان يحتمل فيه بدواً احتمالان أحدهما ـ العقاب الناجم عن تنجز التكليف ، والآخر ـ مخالفة الحكم الشرعي ولو لم يكن عقاب فانَّ الصديقين يرون مجرّد ذلك محذوراً يخاف منه ، إِلاّ انَّه لا إِشكال في انَّ الظاهر من الآية بحسب المتفاهم العرفي هو الأول لأنَّه الأمر