المقصود نبأ الفاسق بالخصوص لا طبيعي النبأ يلزم أن تكون الجملة ( نبأ الفاسق إِن جاءكم به الفاسق فتبيّنوا ) وهذه شرطية مسوقة لتحقق الموضوع فلا مفهوم له لأنَّ نبأ الفاسق يكون مجيء الفاسق به محققاً له.
والجواب على هذا الاعتراض واضح فانَّ كون الموضوع طبيعي النبأ في الشرط والجزاء لا يعني وجوب التبين عن كلّ نبأ لمجرد تحقق مجيء الفاسق بطبيعي النبأ ، وانَّما يعني انَّ موضوع الحكم المذكور هو طبيعي النبأ وهو منحل لا محالة إلى أفراده فيكون كلّ نبأ له حكم مشروط هو وجوب التبين عنه إذا جاء به الفاسق فلا يثبت بمجيء الفاسق بنبإ وجوب التبين عن الحصص الأُخرى من النبأ التي لم يتحقق فيها الشرط بل وجوب التبين عنه بالخصوص وهذا واضح (١).
وهذا هو الجواب الصحيح لا ما في الدراسات من الالتزام باختلاف مقام الثبوت عن الإثبات وان كل قيد أو شرط في مقام الإثبات موضوع للحكم بحسب مقام الثبوت وان الحيثيات كلّها تقييدية ثبوتاً وإِن كانت بحسب مقام الإثبات تعليلية ، وعليه فالموضوع بحسب مقام الإثبات والدلالة طبيعي النبأ لا نبأ الفاسق فالشرطية غير مسوقة لبيان الموضوع ومع ذلك ثبوتاً ما يجب التبين عنه موضوعه خبر الفاسق لا طبيعي الخبر.
__________________
(١) يمكن أَن يصاغ الاعتراض بنحو آخر حاصله : ان أُريد بالنبإ القضية المخبر بها كان المعنى انَّ أيّ قضية إذا جاء بها الفاسق وجب التبين عنها حتى إذا جاء بها العادل أيضا ، وإِنْ أُريد منه نفس الإخبار والإنباء كان المعنى إِنْ أخبركم الفاسق فتبيَّنوا فيكون الشرط محققاً للموضوع لما تقدّم من انَّ خصوصية كون النبأ قد جاء به الفاسق التي هي الإنباء والإخبار إذا كانت هي الموضوع للجزاء فلا يعقل المفهوم ثبوتاً لأنَّ فرض مجيء العادل بالأخبار حينئذ فرض موضوع آخر غير ما يتعلّق به الحكم وينحل إليه في طرف الجزاء مع انَّ المفهوم لا بدَّ وأَنْ يكون انتفاء الحكم فيه عن نفس ما يتعلّق به حكم الجزاء. وإِنْ شئت قلت : استفادة المفهوم انَّما يكون على أساس تعليق المجعول في الجزاء على تحقق الشرط وهذا لا يعقل مع كون انتفاء الشرط محققاً لموضوع آخر غير ما يتعلّق به الحكم في طرف الجزاء إِذ معناه انَّ هذا ليس تعليقاً لحكم الجزاء بل تحديد لموضوعه وتخصيص له ببعض حصصه فتكون الشرطية بحسب الحقيقة مسوقة لتحديد موضوع الحكم وتقييده فلا يكون لها مفهوم.
والجواب : أولا ـ يمكن اختيار الشقّ الأول ودفع الإشكال بأنَّ النبأ الّذي جاء به الفاسق يجب التبين عنه إذا أُريد الاستناد فيه إلى إخباره وهذه الشرطية صادقة حتى مع فرض مجيء الفاسق بنبإ قد جاء به العادل أيضا. والحاصل : الجزاء وهو وجوب التبين ليس حكماً تكليفياً بل حكم وضعي بعدم حجية إخبار الفاسق فمدلول الآية النبأ إذا أخبر به الفاسق فلا يثبت باخباره وهذا صادق حتى في مورد مجيئه بما جاء به العادل.
وثانياً ـ يمكن اختيار الشقّ الثاني ودفع الإشكال بناءً على التقريب الآخر للمفهوم الّذي استقربه في الدراسات وهو التمسك بإطلاق المفهوم بناءً على انَّ المراد بالتبين تبين الحال لا الخبر.