ثم انَّ ما ذكره صاحب الكفاية ( قده ) من وجود فعليتين للحكم الواقعي يمكن أَنْ يراد به هذا المعنى وإِنْ كان تعبيره قاصراً عنه.
وهذا الّذي ذكرناه في وجه الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية واضح جداً في فرض انسداد باب العلم واما إذا فرضنا انفتاح بابه وإمكان سعي المكلف للوصول العلمي إلى الواقع فلا بدَّ لتصوير وقوع التزاحم الحفظي حينئذٍ من فرض عناية زائدة هي أَنْ يفرض وجود مصلحة في أَنْ يكون العبد مطلق العنان من ناحية السعي والتعلم فيحكم بالترخيص من دون السعي حفاظاً على مصلحة إطلاق عنان العبد من ناحيته.
ثم انه يمكن أَنْ يستشكل على هذا الوجه للجمع بأحد إشكالين :
الأول ـ انَّ الخطابات الواقعية انما تصدر بداعي المحركية والباعثية وليست مجرد ملاكات وأغراض أو حب وبغض فالعلّة الغائبة من الأحكام انما هو الانبعاث والتحرك من المكلفين ، وحينئذٍ يقال بأنَّ جعل الحكم الظاهري المخالف يكون نقضاً لهذا الغرض من هذه الناحية وإِنْ لم يكن نقضاً للغرض من ناحية مبادئ الحكم.
وإِنْ شئت قلت : انَّ الحكم الواقعي لا يراد منه مجرد الحب والبغض بل ذلك زائداً المحركية والباعثية فالخطاب الواقعي بمعنى الحب والبغض المحركين لا يمكن أَنْ يجتمع مع الحكم الظاهري المخالف له.
والجواب عليه ـ انَّ داعي المحركية والباعثية له أحد معان أربعة :
١ ـ داعي المحركية الفعلية. وهذا لا يحتمل أَنْ يكون دخيلاً في حقيقة الحكم الواقعي لأنه لا يناسب مع توجيه الخطاب إلى العامي الّذي يعلم بأنه لا يتحرك بالفعل خارجاً فلو كان الحكم كذلك لزم تخصيصه بالمطيع وهو واضح الفساد.
٢ ـ داعي المحركية الفعلية بضم قانون العبودية أي تسجيل الانبعاث عقلاً على العبد كيف ما اتفق. وهذا أيضاً غير محتمل لاقتضائه اختصاص الخطابات بغير موارد العذر العقلي كموارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان لو قيل به أو القطع بالخلاف أو الغفلة والنسيان ، إذ في هذه الموارد لا يعقل تسجيل الانبعاث على العبد مع انه لا إشكال في إطلاق الخطابات لجميع هذه الموارد عندنا ولغير الأخيرين عند الجميع مما يعني انَ