الخطأ فيها مع انه لا خطأ في الأوليات ، ولكنه عاد وزعم ان معرفتنا الحسية بالواقع الخارجي إجمالا أولية وان كانت معرفتنا بالتفاصيل ليست كذلك ، فكان هذا اتجاه يفصل في المعرفة الحسية بين الإيمان بأصل الواقع الموضوعي في الجملة وبين الإيمان بتفاصيل المعرفة الحسية. ونحن في كتاب فلسفتنا حاولنا إرجاع المعرفة الحسية إلى معارف مستنبطة بقانون العلية لأن الصورة الحسية حادثة لا بد لها من علة وقانون العلية قضية أولية أو مستنبطة من قضية أولية. وفي قبال هذه الاتجاهات الثلاثة المثاليون الذين أنكروا الواقع موضوعي رأسا. وكل هذه الاتجاهات الأربعة التي تذبذب الفكر الفلسفي بينهما غير صحيحة وانما الصحيح بناء على ما اكتشفناه من الأسس المنطقية للاستقراء ان معرفتنا بالواقع الموضوعي جملة وتفصيلا في المدركات الحسية قائمة على أساس حساب الاحتمال الّذي يشتغل بالفطرة لدى الإنسان وبعقل رزقه الله له سميناه بالعقل الثالث قبال العقلين الأول والثاني.
وقد أوضحنا ذلك مشروحا في كتاب الأسس المنطقية للاستقراء وبينا هنالك في ضمن ما بيناه اننا حينما نقارن بين أحساساتنا في عالم الرؤية مع أحساساتنا في عالم اليقظة لا نشك بان الأولى لا واقع موضوعي لها بخلاف الثانية ـ إذا استثنينا شيخ الإشراق الّذي كان قائلا بعالم الأمثال في الأحلام ـ مع انه لا فرق بين القسمين من ناحية وجدانية الإحساس عند النّفس وهذا دليل عدم بداهة المعرفة في الحسيات وان الإيمان بموضوعية الثانية قائم على أساس حسابات الاحتمال المبتنية على قرائن وخصوصيات مكتنفة بالثانية مفقودة في الأولى التي تكون إحساسات زائلة متقلبة بمجرد كف الذهن عنها وغير متشابهة إلى غير ذلك من خصائص ونكات تقوم على أساسها حساب الاحتمالات شرحناها في ذلك الكتاب. اذن فليست المحسوسات قضايا أولية كما انها لا يمكن أن تكون مستنتجة بقانون العلية لأن هذا القانون غاية ما يقتضيه وجود علة لحصول الصورة في النّفس واما هل هي خارجية أو حركة جوهرية في النّفس فلا يعين أحدهما ، هذا مجمل الحديث عما سموه بالعقل الأول ومنهجنا في طريقة تفسير المعرفة البشرية فيه.
الثانية ـ فيما يتعلق بالعقل الثاني ـ والمنطق الصوري بعد افتراضه للعقل الأول