الصوري في قضايا ست اعتبرتها مواد البرهان في كل معرفة بشرية وهي الأوليات والفطريات والتجربيات والمتواترات والحدسيات والحسيات.
وقد ادعى المنطق الصوري ان هذه القضايا كلها بديهية ونحن نسلم معهم في اثنين منها هما الأوليات ـ كاستحالة اجتماع النقيضين ـ والفطريات وهي التي قياساتها معها ولم نقل برجوعها إلى الأوليات على ما هو التحقيق ـ فهاتان قضيتان قبليتان واما غيرهما أي القضايا الأربع الباقية فليست المعرفة البشرية فيها قبلية بل بعدية أي تثبت بحساب الاحتمالات وبالطريقة الاستقرائية التي يسير فيها الفكر من الخاصّ إلى العام حسب قوانين وأسس شرحناها مفصلا في ذلك الكتاب بعد إبطال ما حاوله المنطق الصوري من تطبيق قياس خفي فيها بمناقشات عديدة مشروحة في محلها.
وقد أثبتنا هنالك انه حتى المحسوسات التي هي أبده القضايا الأربعة الباقية تخضع للأسس المنطقية للدليل الاستقرائي ، وتوضيح ذلك ان القضايا الحسية على قسمين :
١ ـ أن يكون واقع المحسوس فيها امرا وجدانيا كالإحساس بالجوع والألم ، وهذا لا إشكال في أوليته ولا يقوم على أساس حساب الاحتمالات والطريقة الاستقرائية ، لأن الإدراك في هذا النوع يتصل بالمدرك بصورة مباشرة حيث يكون المدرك بنفسه ثابتا في النّفس لا انه أمر موضوعي خارجي له انعكاس على النّفس ليراد الكشف عن مدى مطابقة ذلك الانعكاس مع واقعه.
٢ ـ الإحساس بالواقع الموضوعي خارج عالم النّفس كإحساسك بالسرير الّذي تنام عليه وصديقك الّذي تجلس عنده وحرمك الّذي تسكن إليها ، وهذا هو الّذي لا يتعلق إحساسنا به مباشرة فكيف يمكن إثبات واقعيته من مجرد انطباع حاصل في النّفس أو الذهن وكيف نثبت مطابقة ذلك الانطباق للخارج؟ وهذه المسألة من ألغاز الفلسفة. والاتجاه المتعارف عند فلاسفتنا في حلها ان المحسوسات قضايا أولية وان كانت المسألة غير معنونة بهذا الشكل وانما عنونت كذلك عند فلاسفة الغرب ، وقد ظهر لدى بعض المحدثين (١) عندنا ان معرفتنا بالحسيات لا يمكن أن تكون أولية لوقوع
__________________
(١) السيد الطباطبائي ( قده ) في روش رئاليسم.