ممكنا على كل حال ، وحينئذ إن كان مناط الثواب والعقاب هو دفع ألم المولى وخسارته وعدم دفعه فلا محالة لا موجب لاستحقاق أكثر من عقاب واحد وإن كان المناط مخالفة الإنشاء بما هو إنشاء وبقطع النّظر عن مبادئه فهناك مخالفتان لإنشاءين كان يمكن للمكلف المنع من تحققهما فيستحق عقابين لا محالة. إلا أن الصحيح ان مناط العقاب والثواب انما هو بلحاظ مبادئ الحكم وملاكاته لا بلحاظ الإنشاء بما هو هو ولذلك لا فرق وجدانا في ترتب العقاب بين ما إذا كان الملاك قد أبرزه المولى بنحو الإنشاء أو بنحو الاخبار.
وعليه فالصحيح في موارد التضاد الذاتي أو الملاكي بين الواجبين هو التفصيل بين ما إذا كان عدم كل منهما شرطا في اتصاف الآخر بالملاك وبين ما إذا كان شرطا في وجود الملاك الآخر ، ففي الأول يلتزم بتعدد العقاب والمعصية فيما إذا تركهما معا ، وفي الثاني يلتزم بوحدة العقاب رغم انهما من حيث الإنشاء على حد سواء.
وبذلك يتضح اندفاع هذه المؤاخذة عن فرضية المحقق الخراسانيّ ( قده ) حيث انه قد افترض التضاد بين الملاكين في الوجود لا في أصل اتصاف الواجبين به ، كما يظهر ان فرضية المحقق الخراسانيّ ( قده ) لتصوير الواجب التخييري صحيحة في نفسها لو لا انها ليست مطردة بل موقوفة على أن يكون الواجبان متضادين في الملاك وجودا لا ذاتا ، واما إذا لم يكن بينهما التضاد بالنحو المذكور فالفرضية قاصرة عن تصوير الوجوب التخييري والمحقق المذكور ( قده ) أيضا لم يدع أكثر من ذلك.
النظرية الثالثة ـ ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ) من ان الوجوب التخييري عبارة عن وجوب كل من العدلين والبدلين لوجود الملاك فيهما معا غير أن تحصيل ملاكهما معا يعارض مصلحة التسهيل وملاكه على المكلف ولذلك يرخص المولى في ترك أحدهما على سبيل البدل ، ولذلك فلو تركهما معا كان معاقبا بعقاب واحد لأنه لم يكن مرخصا في ترك الآخر ، وإن فعل أحدهما أو كلاهما كان ممتثلا للواجب لا محالة. وفرق هذه النظرية عن سابقتها انه يستغنى عن افتراض التضاد بين الملاكين في العدلين (١).
__________________
(١) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٥٤.