المقام الثاني ـ في ان إطلاق الأمر يقتضي التعينية أو التخييرية فلو قال أطعم ستين مسكينا وشك في انه واجب بالتعيين أو يمكن للمكلف تركه إلى عتق الرقبة مثلا ما هو مقتضى إطلاق دليل الأمر. ولا إشكال في ان مقتضاه التعيينية الا ان تقريب ذلك يختلف حسب اختلاف المسالك في تصوير حقيقة الواجب التخييري.
فلو قلنا بان الواجب التخييري يعني إيجاب كل منهما مشروطا بترك الآخر فمن الواضح ان مقتضى إطلاق مفاد صيغة الأمر حينئذ عدم الاشتراط فيكون الواجب تعيينيا.
ولو قلنا بان الواجب التخييري يعني إيجاب الجامع بين الفعلين ، أمكن إثبات التعيينية بالتمسك بظهور المادة تارة وبإطلاق الهيئة أخرى ، اما مادة الأمر فلان أخذ أي عنوان في متعلق امر ظاهر في تعلق الأمر به بعنوانه لا بعنوان آخر جامع بينه وبين أمور أخرى. واما الهيئة فلان مقتضى إطلاقها الأحوالي لما إذا تحقق ذلك الأمر الآخر عدم سقوط الوجوب ولازمه التعيينية إذ لو كان الواجب هو الجامع كان الوجوب ساقطا لا محالة.
ولو قلنا بان الواجب التخييري كالتعيني من حيث المتعلق ومن حيث إطلاق الوجوب الا انه يختلف عنه في انه وجوب ضعيف مشوب بجواز الترك إلى البدل لا مطلقا ، فهو مرتبة بين الوجوب التعييني الّذي لا يرخص في تركه مطلقا والاستحباب الّذي يرخص في تركه مطلقا.
فعلى هذا المسلك يمكن إثبات التعيينية في مقابل التخييرية بنفس الوجوه التي تقدمت في إثبات ان مقتضى صيغة الأمر الوجوب لا الاستحباب الّذي يجوز فيه الترك ، فكل تلك الوجوه ترد هنا أيضا باستثناء دعوى الوضع للوجوب.
المقام الثالث ـ في ان إطلاق الأمر هل يقتضي العينية أو الكفائية والصحيح ان مقتضاه العينية بنفس النكات والمسالك المتقدمة في المقام الثاني فلا نعيد.
__________________
الأمر بالقيد الإرشاد إلى القيدية فهذا من الواضح انه خلاف الظاهر ولو أريد انه إنشاء لإيجابه الغيري الكاشف عن القيدية في الرتبة السابقة حيث انه في طول التقييد يكون المقيد متوقفا تكوينا على إيجاد قيده فإرادة مثل هذا الأمر الغيري إضافة إلى ما ذكرناه يرد عليه : انه في طول ملاحظة ذلك التقييد في الرتبة السابقة فنفس سكوت الخطاب عن التقييد قرينة عرفية على عدم إرادته ولهذا تحمل الأوامر بالقيود والشرائط الشرعية على الإرشاد لا الإنشاء.