إذ فيما يتعلق بالاعتراض الأول يرد عليه ـ ان الوجوب حتى لو فرض كونه بحكم العقل وليس مجعولا شرعيا فلا إشكال انه مجعول بالتبع بمعنى أنه ينتزعه العقل من مجموع أمرين بيد الشارع ومن تصرفاته ، أحدهما طلب الفعل ، والآخر عدم ورود الترخيص في الترك ، ولذلك لو قيل ان الشارع رفع وجوب صلاة الليل عن هذه الأمة مثلا لم يكن مستهجنا.
والدليل الناسخ قدره المتيقن انما هو نفي الجزء الثاني لمنشإ انتزاع الوجوب وهو عدم الترخيص في الترك فيمكن التمسك بالدليل المنسوخ لإثبات الجزء الأول الوجوديّ.
نعم على هذا التقدير يكون إثبات الجواز بالمدلول المطابقي للدليل المنسوخ ـ كما أشرنا في التقريب الثالث ـ وليس بالمدلول التضمني لأن عدم الترخيص في الترك ليس مدلولا للأمر فلا تكون المسألة متفرعة على المسألة الفلسفية بلحاظ مدلول الدليل وهو الأمر الاعتباري وإن كان بلحاظ مبادئه من الحب والإرادة تكون صغرى للمسألة الفلسفية ولكنه ليس هو مدلول الدليل فحتى لو فرض عدم بقاء الجنس وتبدله إلى وجود آخر له في ضمن النوع الآخر كشفنا عنه بمقتضى مدلول الدليل ، إلا أن هذا مزيد اقتراب من مدعى المشهور ، والمشهور انما احتاجوا إلى تفريع المسألة على المسألة الفلسفية للمفروغية عن كون الوجوب هو مدلول اللفظ وانه ينحل إلى جنس وفصل.
وفيما يتعلق بالاعتراض الثاني يرد : أن مدعى المشهور لم يكن هو تحليل الأمر الاعتباري المسمى بالوجوب بالحمل الشائع إلى جنس وفصل في أفق وجوده كي يقال بأن الاعتبار من البسائط ، وانما المدعى ان الوجوب عبارة عن مجموع اعتبارين طلب الفعل والمنع من الترك مندكين في اعتبار واحد فهما بمثابة الجنس والفصل له ، والدليل الناسخ غاية ما يدل عليه ارتفاع المجموع لا الجميع فيمكن إثبات أصل الجواز بالدليل المنسوخ.
نعم التعبير عن ذلك بالجنس والفصل اللذين هما من الأجزاء التحليلية العقلية وإرادة معناهما الحقيقي في المقام لا بد أن يكون مسامحة وكان الأولى أن يعبروا بالمدلول التضمني والمطابقي كما تقدم في التقريب الثاني.
وفيما يتعلق بالاعتراض الثالث نقول بأن التفريع المذكور كان بعد الفراغ عن