الثاني فقياسه عليهما في غير محله ، فان احتمال استحالة تكلم الميت لا يستلزم احتمال استحالة التعبد به لترتيب آثاره شرعا وكذلك احتمال استحالة حجية خبر الثقة فانها لا تستلزم احتمال استحالة التعبد بها ـ إذا فرضنا ان الاستحالة المحتملة مخصوصة بحجية الخبر لا الظهور ـ واما احتمال استحالة نفي وجوب الغيري مع فعلية الوجوب النفسيّ فنكتته مشتركة بين الحكم الواقعي والحكم الفعلي ـ التعبد ـ فإذا فرض التمسك بدليل التعبد الاستصحابي المستلزم لثبوت نفس التعبد وجدانا مع بقاء احتمال استحالته كان تناقضا ؛ وان فرض ارتفاع احتمال الاستحالة ارتفع احتمال استحالة الحكم الواقعي أيضا فيقطع بعدم الملازمة لا محالة وبالتالي يقطع بعدم الوجوب الغيري الواقعي فيرتفع موضوع التعبد وهو خلف.
ومن جملة الإشكالات أيضا ما يتركب من مقدمتين.
الأولى : ان التعبد بالاستصحاب لا بد ان يكون فيما هو تحت تصرف المولى بما هو شارع وجاعل وهو الحكم الشرعي أو موضوع الحكم الشرعي فلا بد وان يكون المستصحب أحدهما.
الثانية : ان وجوب المقدمة ـ فضلا عن الملازمة ـ ليس داخلا تحت التصرف المولوي ، لأنه من لوازم ماهية الوجوب ـ النفسيّ وهي غير مجعولة لا بجعل بسيط ـ لأنه خلف كونه لازما ـ ولا بالجعل التأليفي ـ لأن لوازم الماهية ذاتية والذاتي لا يعلل ـ فلا يمكن إجراء الاستصحاب فيه.
وقد أجاب عن الإشكال صاحب الكفاية : بان الوجوب الغيري وان لم يكن مجعولا استقلالا الا انه مجعول بالتبع فيكون تحت سلطان الشارع بجعل منشأ انتزاعه (١) وتوضيح الحال بنحو يتضح به مدى صحة كل من الإشكال والجواب يستدعي التكلم في ثلاث نقاط على النحو التالي :
النقطة الأولى : في تحقيق حال الكبرى القائلة ان المستصحب لا بد وان يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي ، فانه قد اشتهر ذلك في ألسنتهم مستدلين عليه :
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ص ١٩٩.