تقديرها ثابتة في مرحلة الأحكام الفعلية أيضا. فقد أشكل عليه المحقق الأصفهاني ( قده ) ، بأنه على التقدير أيضا لا يتم الإشكال بل يجري الأصل ، لأن مجرد احتمال الاستحالة في التعبد المذكور لا يمنع عن التمسك بدليله وانما يرفع اليد عن الدليل فيما إذا قطع بالاستحالة ، ولذلك يصح التمسك بإطلاق دليل التعبد بحجية البينة حتى لما إذا أخبرت بمضمون احتملنا استحالته ثبوتا كما لو أخبرت بتكلم الميت مثلا ، واحتملنا استحالته.
وكذلك يصح التمسك بظهور آية النبأ مثلا في حجية خبر الواحد لو فرض ظهورها في ذلك ولا يرفع اليد عنه لمجرد احتمال استحالته (١).
وهذا الاعتراض من المحقق الأصفهاني ( قده ) ، غير متجه في المقام ذلك ان الاستحالة المحتملة تارة : تكون في حق الحكم الواقعي فقط الّذي هو مؤدى الأصل أو الأمارة دون ان تكون بنكتة مشتركة بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري أي نفس التعبد ، وأخرى : تكون الاستحالة المحتملة في حق الحكم الواقعي بنكتة مشتركة بينه وبين نفس التعبد ، ففي النحو الأول لا يضر ذلك الاحتمال في التمسك بدليل التعبد لإثباته ، لوضوح ان المحتمل استحالته انما هو الحكم الواقعي وهو لا يثبت حقيقة بل تعبدا والثابت حقيقة ووجدانا انما هو التعبد بوجود ذلك الحكم وتنجز آثاره وهو مقطوع الإمكان فلا وجه لرفع اليد عن دليل ثبوته.
وفي النحو الثاني يستحيل التعبد بالمحتمل لأنه يستلزم الخلف ، إذ إثبات ذلك التعبد بدليله يقتضي ثبوته وجدانا وحقيقة وحينئذ ان فرض مع ذلك احتمال الاستحالة في ذلك التعبد كان تناقضا ، وان فرض ارتفاع احتمال الاستحالة فالمفروض ان نكتتها مشتركة بين مرحلة التعبد والواقع وهذا يعنى ان احتمال الاستحالة في الواقع أيضا يرتفع ومع ارتفاعه يرتفع الشك في الواقع إذا كان منشأه احتمال الاستحالة فقط كما في المقام ، فيلزم منه ارتفاع التعبد وهو خلف.
وبهذا اتضح ان المثالين الذين ساقهما من النحو الأول ومحل الكلام من النحو
__________________
(١) نهاية الدراية ، ج ١ ص ٢١٥.