المكلف وإيقاعه في العصيان وهذا أيضا غير حاصل في الوجوب الغيري ، اما لأنه لا عقاب فيه ـ على ما تقدم ـ واما باعتبار ان الإحراج بهذا المقدار واقع بلحاظ الواجب النفسيّ على كل حال.
وثانيا ـ يمكن افتراض اختيارية الاختيار سواء فسرناها بالإرادة كما عند المحقق الخراسانيّ ( قده ) أو باعمال القدرة وهجمة النّفس كما عند الميرزا ( قده ) ـ وذلك باختيار مقدماته من التأمل والبحث عن المصلحة ونحو ذلك ، فانه بذلك تصبح إرادة الفعل اختيارية اما بالإرادة والاختيار الموجود قبلها ـ كما هو مسلك صاحب الكفاية حيث يتعقل اختيارية الاختيار بوجود اختيار وإرادة قبله تتعلق بالمقدمات ـ أو بنفسها ـ كما هو مسلك الميرزا ( قده ) حيث يرى ان اختيارية كل شيء غير الاختيار تكون بالاختيار ولكن اختيارية الاختيار تكون بنفسها لرجوع كل ما بالعرض إلى ما بالذات ـ وعليه فيمكن الأمر الغيري بمجموع المقدمات التي منها اختيار الفعل المساوق مع العلة التامة.
وهذا الجواب هو الّذي اختاره المحقق الأصفهاني ( قده ) (١) أيضا في رد الاعتراض المذكور ، غير ان هذا الجواب غير صحيح وذلك باعتبار ما تقدم منا سابقا من ان تعلق الإرادة بالإرادة مستحيل ، لأن الإرادة في الصور الاعتيادية لا تكون الا عن مصلحة في المراد ، فإذا كان الفعل المراد كامل المصلحة فهو يقتضي تحقق إرادة الفعل ابتداء والا فكما لا تتحقق إرادة الفعل لا تتحقق إرادة أن يريد لعدم ملاك فيها غير الملاك الطريقي الثابت في الفعل نفسه (٢).
الاعتراض الثالث ـ ان أخذ الإرادة مع سائر المقدمات لا يجدي في صيرورة المقدمة موصلة لأن مجموعها مع الإرادة أيضا لا تكون علة تامة كي يساوق الإيصال ، وذلك لما تقدم منا من ان حصول الإرادة نحو الفعل لا يستلزم ان يكون الفعل واجبا بالغير بل لا يزال ممكن الوجود وللمكلف ان يتركه بمقتضى سلطنته التي قلنا انها غير مفهوم الوجوب بالغير.
__________________
(١) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٠٧.
(٢) كما ويرد على المحقق الأصفهاني ( قده ) أيضا : ان الإرادة الثانية لو فرض خروجها عن معروض الواجب الغيري لم يكن متعلق الوجوب الغيري مساوقا مع العلة التامة ، ولو كانت من أجزاء المقدمة الواجبة لزم تعلق الأمر بما لا يكون إراديا فيعود والمحذور.