النفسيّ لا يمكن للمكلف الاستناد إليهما معا ، لأن البراءة عن التقيد تجري للتأمين عن العقوبة في فرض فعل ذات الصلاة لا في فرض تركها ، والا كانت هذه العقوبة معلومة على كل حال ، وفي فرض فعل الصلاة لا تكون البراءة عن وجوب الوضوء جارية ، لأنه في هذا الحال يعلم بأن في ترك الوضوء عقوبة واحدة على كل حال ، اما من جهة وجوبه نفسيا أو من جهة وجوب التقيد به ، كما يعلم بأنه ليس في تركه عقوبة أخرى زائدة ، إذ لا يحتمل بحسب الفرض ان الوضوء واجب نفسي وغيري في آن واحد. وهذا هو ملاك للانحلال الحكمي في أطراف الشبهة المحصورة التي لا يمكن فيها للمكلف الاستناد إلى الأصول المؤمنة جميعا في عرض واحد ، وعليه فتجري البراءة عن وجوب التقيد بلا معارض ، هذا إذا كانت الواقعة مرة واحدة واما إذا كانت متكررة فسوف يتشكل علم إجمالي تدريجي منجز كما هو واضح.
وقد تلخص من استعراض الصور الأربع المتقدمة ان ملاك الانحلال الحكمي ثابت في الصور الثلاث ونكتة الانحلال وضابطه الكلي : انه كلما تشكل علم إجمالي بأحد تكليفين كانت مخالفة أحدهما مستلزمة لمخالفة الاخر دون العكس لم تجر البراءة عن ذلك التكليف ، لأن مخالفته تساوق المخالفة القطعية على كل حال فتجري البراءة عن التكليف الاخر بلا معارض ، وهذا له تطبيقات عديدة.
منها ـ ما نحن فيه أي لو علم إجمالا بوجوب شيء أو تقيد واجب آخر محتمل الوجوب أو مقطوع الوجوب به فانه تجري البراءة عن التقيد بلا معارض.
ومنها ـ إذا علم إجمالا بوجوب أحد ضدين لهما ثالث أو حرمة الاخر ، كما إذا علم بوجوب استقبال القبلة أو حرمة استدبارها في الصلاة ، فتجري البراءة عن وجوب الاستقبال بلا معارض لأن الاستدبار يستلزم عدم الاستقبال فهو مخالفة قطعية.
ومنها ـ العلم بوجوب أحد امرين وجوديين متغايرين أحدهما أخص موردا من الاخر ، فان ترك الأعم يكون تركا للأخص دون العكس فتجري البراءة عن ترك الأخص ، كما إذا علمنا بوجوب استقبال الكعبة داخل الحجر أو وجوب استدبار حائط الحجر ، فترك استدبار الحائط مخالفة قطعية على كل حال وتجري البراءة عن الاستقبال.