فانه يقال : يمكن اختيار كلا من الشقين ودفع الإشكال. أما على الأول ، فلأننا نفترض تعيينية المصلحتين معا ، بحيث لو لا المضادة بينهما لأمر بهما معا ، الا ان القصور في قدرة المكلف خارجا على الجمع ، لمكان المضادة بينهما ، فيقع التزاحم بينهما ، والتزاحم انما يوجب رفع اليد عن الأمر التعييني بكل منهما عند وصول الأمر الاخر ، اما إذا وصل أحدهما دون الآخر فلا محذور في بقاء الآخر على إطلاقه ، وفيما نحن فيه لا يصل الحكم الواقعي والظاهري معا بل دائما يصل أحدهما ، فالمقتضي للأمر التعييني بالواقع وهو المصلحة التعيينية موجود والمانع وهو المزاحم مفقود ، لأن التزاحم بين الأمرين فرع وصولهما خلافا لباب التعارض فلا تصويب (١).

واما على الثاني وهو فرض عدم اشتمال الحكم الظاهري الا على مصلحة أقل من مصلحة الواقع ، فإشكال لزوم التفويت هو إشكال ابن قبة المعروف في باب الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية ، والمفروض الإجابة عليه اما بان الفوت شيء لا بد منه على كل حال ، وهو الجواب بناء على الطريقية ، أو بجواب من قبيل دعوى وجود مصلحة في التفويت أو غير ذلك.

هذا كله فيما إذا انكشف الخلاف باليقين.

واما إذا انكشف خلاف الحكم الظاهري بالتعبد :

فتارة : يكون هذا الانكشاف بأمارة مثبتة لجميع اللوازم ، وأخرى : يكون بأصل عملي.

فإذا كان انكشاف الخلاف بالأمارة ، كما إذا أفتى بوجوب الجمعة بالاستصحاب

__________________

(١) لا يقال : في باب التزاحم يكون الوصول شرطا في القيد لا المقيد ، أي كل واجب يكون مقيدا لبا بعدم الاشتغال بضد واجب وأصل سواء كان الواجب المقيد وأصلا أيضا أم لا ، لأن هذا التقييد اللبي الّذي به أخرجنا باب التزاحم عن التعارض تقييد واقعي في كل خطاب وليس من شئون حكم العقل بوجوب امتثال الخطاب ليكون قيدا له في مرحلة الوصول فقط ، وعليه فالامر الواقعي لا محالة لا بد وان يكون مشروطا بعدم امتثال الأمر الظاهري المزاحم لأنه واصل بحسب الفرض فيكون وجوبه تخييرا لا تعيينا.

فانه يقال : في خصوص المقام حيث ان الواجب المزاحم ظاهري يرتفع موضوعه بوصول الواجب الواقعي فلا موجب لتقييد الواجب الواقعي بعدم وصول الظاهري ، بل يبقى على إطلاقه وتعينيته. نظير ما يقال في المشروط بالقدرة العقلية بالنسبة إلى المشروط بالقدرة الشرعية ، إذ لا يلزم من هذا الإطلاق محذور التنافي لا ذاتا ولا بلحاظ مرحلة الامتثال والداعوية ، اما الأول فواضح ، واما الثاني فلأنه في فرض الداعوية والامتثال الّذي هو فرض التنجز والوصول يكون الخطاب الظاهري مرفوعا فتأمل جيدا.

۴۴۲۱