حيث قد عرفت أنّ عدّة من النصوص المعتبرة دلت على المنع صريحاً ، كما عرفت أنّ معتبرتي عبد الله بن يحيى الكاهلي وعلي بن يقطين لا تصلحان لمعارضتها. فإنّ الأُولى أجنبية عن محل الكلام ، باعتبار أنّها واردة في لمس الأب لمملوكة ابنه ، فلا تدلّ على الحكم في لمسه لجاريته هو. وأما الثانية فهي مطلقة من حيث لمسه لجاريته أو جارية ابنه ، فتقيد بأدلة المنع. وبذلك تكون النتيجة ما أفاده قدسسره في المتن.
ثم إنّ الماتن قدسسره لم يتعرض إلى عموم الحكم لصورة ما إذا كان نظره إليها ولمسه لها محرماً كما إذا كانت مزوجة من غيره ، أو في فترة العدّة وعدمه ، إلّا أنّ الذي يظهر من كلامه أنّ الحكم لا يختص بفرض حلّية النظر أو اللمس. وقد خالف في ذلك جماعة ، حيث اختاروا عدم نشر الحرمة بالفعل المحرم ، تمسكاً بما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» ولاختصاص نصوص التحريم بالنظر واللّمس السائغين على ما نسب إلى الجواهر (١).
لكن الصحيح هو ما يظهر من عبارة الماتن قدسسره أعني عدم اختصاص التحريم بالنظر واللمس السائغين إذ لا دليل على اختصاص النصوص بالفعل الحلال ، بل مقتضى إطلاق صحيحة محمد بن إسماعيل ، الواردة في الرجل إذا قبّل جاريته بشهوة حيث أجابه عليهالسلام بأنّه : «ما ترك شيئاً» عدم الفرق بين التقبيل الحلال والحرام ، وبذلك يقيد إطلاق ما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال».
نعم ، قد يكون مستند صاحب الجواهر قدسسره فيما اختاره هو معتبرة عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في الرجل تكون عنده الجارية يجرّدها وينظر إلى جسمها نظر شهوة ، هل تحلّ لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحلّ لابنه؟ قال : «إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحلّ للأب» (٢).
فلعلّه قدسسره قد استظهر من قوله عليهالسلام : «نظر منها إلى ما يحرم على غيره» أنّ النظر كان بالنسبة إليه حلالاً ، فيكون مفهومه أنّ النظر إذا كان بالنسبة
__________________
(١) الجواهر ٢٩ : ٣٧٦.
(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣ ح ٦.