.................................................
__________________
الاستصحاب.
ويتّضح من مجموع ما ذكرناه : أنّه لا إشكال على ما قرّرناه من دلالة الأخبار على القاعدتين بالشكل الّذي عرفته لا من ناحية الثبوت ولا من ناحية الإثبات.
وهذا الوجه لم يعهد من أحد الالتزام به بل التنبه إليه ، فتدبّره فإنّه بالتدبّر حقيق.
ثم إنّه قد يشكل ما قرّرناه بأنّه يقتضي سدّ باب الاستصحاب في كثير من موارد الشبهات الحكمية بالنسبة إلى المجتهد ، بيان ذلك : إنّ سيرة المجتهدين قائمة على إجراء الاستصحاب عند الشك في سعة الحكم الكلّي الإلهي وضيقه سواء تعلّق الحكم به أم بمقلّديه كما لو شك في بقاء نجاسة الماء المتعيّن إذا زال تغيّره من قبل نفسه ، أو شك في استمرار خيار الغبن أو فوريّته ، ونحو ذلك ، من غير فرق بين أن يكون موضوع الحكم فعليّا كما لو كان لديه ماء متغيّر أو لم يكن فعليّا بل فرضيا ، فإنّه يجري الاستصحاب ويفتي على طبقه بالفعل ، ويعمل به مقلدوه ، ولو لم يحصل لديهم يقين وشك في ظرفه.
وقد وجّه ذلك بأن يقينه وشكّه بمنزلة يقينهم وشكّهم وهذا التنزيل تقتضيه أدلّة الإفتاء.
وقد تعرّضنا لبيان الإشكال وحلّه ـ بصورة مفصّلة ـ في أوّل مبحث القطع.
ولا يخفى أنّ هذا يبتني على فرض موضوع الاستصحاب هو اليقين الفعلي فإنّ المجتهد يحصل لديه يقين بالفعل بنجاسة الماء عند تغيّره وشك في بقائها على تقدير زوال التغيّر ، فهو يجري الاستصحاب بلحاظ حالة التغيّر وزوالها.
وأما بناء على اعتبار اليقين السابق والشك اللاحق ، فيشكل الأمر في مثل هذه الاستصحابات ، لعدم الترتّب الزماني بين اليقين والشك بالنسبة إلى المجتهد ، بل اليقين والشك يحصلان دفعة بل قد يتقدّم الشك على اليقين ، وأما المقلّد فالمفروض أنّه غافل عن هذه الخصوصيات. فكيف يفتي المجتهد له بل لنفسه بنجاسة الماء المتغيّر إذا زال عنه التغيّر استنادا إلى الاستصحاب؟ مع عدم تحقّق موضوعه لا عنده ولا عند مقلّده.
وهذا الإشكال لا محيص عنه ولكنه لا يختص بالمبنى الّذي قرّبناه بل يعمّ المبنى الآخر ، فلا يصح إجراء الاستصحاب بالنسبة إلى الحكم الكلّي إذا لم يتحقّق موضوعه. بالفعل حتى على الالتزام بأنّ موضوع الاستصحاب هو اليقين الفعلي بالحدوث والشك في البقاء لوجوه :
الأول : إنّ اليقين بالحكم على تقدير حصول موضوعه كاليقين بالخيار على تقدير تحقّق البيع الغبني ، مرجعه في الحقيقة إلى اليقين الفعلي بالملازمة بين الموضوع والحكم ، وأما الحكم فليس بمتيقّن بالفعل لا بوجوده المطلق ولا بوجوده الخاصّ المقيّد بالموضوع ، إذ قد لا يحصل الموضوع بل قد يكون ممتنعا ـ كما في مثل : لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا ـ فكيف يكون الحكم متيقّنا؟ والملازمة ليست مجرى الاستصحاب لأنّهما غير مشكوكة البقاء وإنّما الشك في سعة اللازم ـ وهو الحكم ـ وضيقه ، مع أنّها ليست