فيقع الكلام في مقامين :
المقام الأول : في عدم صحة التعبد بالجعل. فنقول : ان التعبد والاعتبار انما يطرأ على الأمور الاعتبارية التي يكون وجودها بالجعل والاعتبار ولا يتعلق بالأمور التكوينية الخارجية ، فانها لا تقبل الجعل. ومن الواضح ان الجعل والاعتبار الصادر من المولى انما هو فعل تكويني للمولى ومن أفعاله الاختيارية النفسيّة التي لها وجود واقعي وليس من الأمور الاعتبارية. نعم ما يتعلق به الاعتبار من الأحكام الشرعية يكون اعتباريا ، وإذا كان الاعتبار كذلك امتنع ان يكون موردا للتعبد والاعتبار. وعليه فإذا فرض ان مفاد دليل الاستصحاب هو التعبد بوجود المتيقن بقاء ، لم يشمل الجعل ، ولا معنى لجريان الاستصحاب فيه.
وبالجملة : استصحاب الجعل بهذا المعنى مما لا محصل له.
واما استصحاب بقاء الجعل في مورد الشك في النسخ ، فهو اما ان يرجع إلى التمسك بإطلاق الدليل الدال على الحكم بالنسبة إلى الزمان الممتد ، وتكون تسميته بالاستصحاب مسامحة. واما ان يرجع إلى استصحاب المجعول التعليقي لا الفعلي ، الّذي سيأتي البحث عنه في محله.
نعم ، بناء على ما قربنا به شمول دليل الاستصحاب للشبهة الموضوعية ـ من : ان الدليل لا يتكفل التعبد بالمتيقن ابتداء وانما يتكفل الإلزام بمعاملة المتيقن معاملة الباقي الثابت ، ويكون ذلك إرشادا إلى ثبوت التعبد في كل مورد بحسبه ـ أمكن دعوى شمول الدليل للجعل ، ويكون لازمه ثبوت التعبد بالمجعول ، لا التعبد بالجعل ، فتكون نسبة المجعول إلى الجعل نسبة الحكم إلى الموضوع المستصحب ، فكما ان مقتضى شمول عموم : « لا تنقض » للموضوع المتيقن التعبد بحكمه ـ كما عرفت ـ ، لأنه هو القابل للتعبد دون الموضوع ، كذلك مقتضى شموله للجعل المتيقن هو التعبد بالمجعول ، فانه لازم للزوم معاملة