ولكنه لا كلام في تقديمه على الاستصحاب.

وانما الكلام في انه ـ أعني : التقدم ـ بأي نحو من الأنحاء ، هل هو من باب التخصيص. أو التخصص. أو الحكومة. أو الورود؟. ولا بد في بيان ذلك من بيان المراد بكل من هذه الأمور ، وبيان الوجه في تقدم الدليل المتضمن لأحدها على الدليل المقابل له ، كتقدم الحاكم على المحكوم ونحوه.

فالكلام يقع في جهات ثلاث :

الجهة الأولى : في بيان المراد من هذه الأمور :

فأمّا التخصص ، فهو خروج الفرد عن الموضوع العام حقيقة تكوينا وذاتا ، كخروج الجاهل عن دليل : « أكرم العالم ».

وامّا التخصيص ، فهو كون الدليل متضمنا لعدم ترتب الحكم على بعض افراد العام الّذي ثبت له الحكم بدليل آخر ، كنسبة « لا تكرم زيدا العالم » إلى : « أكرم العلماء ».

وامّا الورود ، فهو كون الدليل متضمنا لخروج هذا الفرد عن الموضوع العام حقيقة ، ولكن لا تكوينيا بل بواسطة التعبد الشرعي ، فهو يشترك مع التخصص في الجهة الأولى ـ أعني : الخروج الحقيقي ـ ، ولكنه يختلف عنه في الجهة الثانية ـ أعني : كونه ببركة التعبد لا ذاتيا ـ ، وذلك كنسبة الدليل الاجتهادي إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان العقلية ، فانه بقيام الدليل في المورد يرتفع موضوع القاعدة وهو « لا بيان » فيه حقيقة لأنه بيان جزما ، ولكن كونه بيانا كان بجعل الشارع ، إذ لو لا اعتباره له لما كان بيانا حقيقة.

وكون هذه الأمور بالمعنى الّذي ذكرناه مما لا إشكال فيه ولا خلاف ، وان كان قد يظهر من المحقق الخراسانيّ في الكفاية إرادة معنى آخر من الورود (١)

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

۴۵۰۱