وبعد هذا وذاك يرد عليه انَّ دليل حجية الاستصحاب هو خبر الواحد نفسه فلا يعقل التمسّك به لإثبات حجيته كما هو واضح. اللهم إِلاّ أَنْ يدعى انَّ استصحاب عدم النسخ بالخصوص دليله الإجماع القطعي.
رابعها ـ ما ذكره الأصفهاني ( قده ) من انَّ الرادع عن السيرة المذكورة انَّما هو ظهور الآيات الناهية وحجيته فرع حجية الظهور الثابتة بالسيرة أيضا ، ومن الواضح انَّه لا معنى لافتراض انعقاد سيرتين وبناءين عمليين من العقلاء على العمل بكلّ من الخبر والظهور المذكور لأنَّه تناقض فإذا سلّمنا السيرة على العمل بخبر الواحد الثقة فلا محالة لا عمل بالظهور المذكور.
وهذا التقريب من الغرابة بمكان ، فانَّ المراد من انعقاد سيرة العقلاء على العمل بالظهور انعقاد سيرتهم على كاشفية الظهور عن المراد امَّا انَّهم هل يعملون بمراد متكلّم كالشارع أو يعصونه فذلك لا ربط له بالسيرة المنعقدة ، فربّما يعصي بعض العقلاء الشارع في صريح خطاباته فضلاً عن ظواهرها كما لو فرض انَّ بعض العقلاء لا يقيمون الصلاة كما هو كذلك واقعاً فهل هذا يعني انَّهم لا يبنون على حجية ظهور أقيموا الصلاة في الكشف عن وجوبه شرعاً؟ فالحاصل وقع خلط بين العمل بالظهور بمعنى حجيته في الكشف عن مراد المتكلم والعلم به بمعنى الأخذ بمؤدّاه وامتثاله.
وامَّا الاتجاه الثاني وهو تقديم رادعية الآيات على مخصصية السيرة فله تقريبات أهمّها اثنان :
الأول ـ وهو عكس ما ذكر في التقريب الأول للاتجاه السابق ـ انَّ المخصصية إذا كانت دورية فلا محالة تكون الآيات حجة في إثبات الردع لأنَّ كلّ ظهور حجة ما لم يعلم بالمخصص وفي المقام لم يعلم مخصصية السيرة وهذا يعني انَّ رادعية الآيات متوقفة على عدم العلم بالمخصصية لا عدم المخصصية واقعاً فلا دورية في الرادعية فيكون إطلاق الآيات حجة ويثبت به الردع عن السيرة.
وقد حاول المحقق الأصفهاني ( قده ) أَنْ يجمع بين هذا وبين ما ذكرناه في تقريب الاتجاه الأول من عدم دورية المخصصية لأنَّها متوقفة على عدم ثبوت الردع لا عدم الردع فاستنتج انَّ كلا من الرادعية والمخصصية ليست دورية ، لأنَّ كلاً منهما متوقّف