يحصل العلم بالحقيقة لتمامية مقتضيات جلائها ووضوحها لكونها في طريق وصولها إلى المكلّفين وظهورها لو لا الكتمان وامَّا حيث لا يكون كذلك كما في موارد عدم حصول العلم من الاخبار فلا يصدق الكتمان لتدلّ الآية على حرمته وبالتالي على حجية الاخبار.
وفيه ـ انَّ الكتمان وإِنْ كان هو إخفاء الحقيقة إِلاّ انَّه الإخفاء النسبي لا المطلق أي الإبراز من ناحية المخبر لا مطلقا فمن لا يكون قوله مفيداً للعلم لعدم وثاقته مثلاً أيضا يصدق الكتمان على إخفائه للحقيقة.
والصحيح الإيراد على الاستدلال المذكور بوجوه أُخرى أهمّها ما يلي :
١ ـ ما أشرنا إليه في مناقشة الاستدلال بآية النفر من عدم المحذور في جعل وجوب الإنذار أو الإظهار مطلقاً مع كون الغاية و
الغرض منه وهو وجوب القبول مخصوصاً بصورة العلم وانَّما جعل وجوب الاخبار مطلقاً من جهة احتياط المشرع في مقام تحصيل ذلك الغرض.
٢ ـ من المحتمل قوياً انَّ التحريم في الآية الكريمة نفسي لا طريقي ، لأنَّ الكتمان كأنَّه عبارة عن تعمّد إخفاء الحقيقة وهذا نحو مقابلة مع الدين ومعاندة فيكون من المحرمات النفسيّة بل من أعظمها ولهذا صبّت في الآية على مرتكبها لعنة الله ولعنة اللاعنين ، ولا ملازمة بين التحريم النفسيّ للكتمان من باب كونه عناداً مع الدين ووجوب القبول كما لا يخفى.
٣ ـ انَّ كلمة ( الكتاب ) لعلَّ المراد منه القرآن الكريم لا التوراة والإنجيل فيكون المقصود انَّه بعد ما بيّنا في الكتاب الكريم انَّ النبيّ قد توفّرت بشائر نبوته في كتب العهدين وانَّ اسمه وأوصافه مذكورة ومسطورة عندهم في التوراة والإنجيل فمن ينكر أو يكتم علمه بذلك من أهل الديانتين مع كونه مطّلعاً عليه بحكم كونه من العلماء بما جاء في العهدين عداوة لهذا الدين وصاحبه فأولئك يلعنهم الله واللاعنون ، ومن الواضح انَّ الكتمان والسكوت من هؤلاء يعد تكذيباً لما جاء في القرآن الكريم لا مجرد عدم إظهار الحقّ ، فانَّ نفي العلم والاطلاع أو السكوت ممن يكون أهل الاطلاع بالنحو المذكور بنفسه تكذيب وتشكيك في صدق ما يدعيه القرآن الكريم من مجيء بشائر نبوة