الاطمئنان في باب الإجماع قيمة احتمالية أضعف منه في التواتر ، ومن هنا كانت كاشفية الإجماع تتأثر بدرجة اقتراب فتاوى المجمعين إلى الحسّ فكلّما كان حجم النّظر والاجتهاد فيها أقلّ كانت كاشفيتها عن الواقع أقوى وآكد ، وبهذا يتميز الإجماع في المسائل الفقهية ذات المبادئ النظرية الاجتهادية عادة على الإجماع في المسائل الفقهية ذات المبادي غير النظرية المعقدة وكذلك يختلف الإجماع من عصر إلى عصر لأنَّه كلّما اقتربنا إلى عصر الأئمة كان حجم الجانب الحسّي أكبر وحجم تأثر المسألة بالجانب النظريّ أقلّ ومن هنا كانت قيمة فتاوى القدماء أكبر من قيمة فتاوى المتأخرين ، كما انَّه على هذا الأساس أيضا كلّما كان مبلغ تبصّر المجمعين وألمعيّتهم وخبرتهم للوصول إلى الواقع أكثر كانت القيمة الاحتمالية لفتاواهم أكبر.
الثانية ـ انَّ الخطأ المحتمل في الاخبار عن الحسّ له مصبّ واحد عادة بينما في باب الإجماع قد لا يكون له مصبّ واحد ، ومن الواضح انَّ احتمال خطأ جميع العشرة مثلاً في اخبارهم عن مصب واحد أبعد من احتمال خطأ عشرة في إخباراتهم غير المنصبة على مصبّ واحد ، فمثلاً احتمال خطأ العشرة المخبرين بموت زيد بالخصوص أبعد من احتمال خطأهم في اخبار كل منهم عن موت جاره الّذي هو غير جار الآخر. وهذا المدعى نذكره هنا كمدعى وجداني وقد برهنا عليه وذكرنا قوانينه وضوابطه في كتاب الأُسس فهي قضايا نذكرها هنا كمصادرات معتمدين فيها على الوجدان وإِلاّ فهي مبرهن عليها من قبلنا في محلها ، ومن هنا كلّما كان مناشئ الفتوى في المسألة الإجماعية وجهاتها أقرب إلى المصب الواحد كان أقوى كما إذا فرض انَّ كلّ جهات المسألة واضحة لوجود رواية لا إشكال في سندها وانَّما الكلام في دلالتها فأجمعوا على دلالتها مثلاً على الحكم المجمع عليه ، وهذا بخلاف ما إذا كان يحتمل لكل فتوى تخريج ومصب غير الآخر كما في مسألة جواز رجوع الأيادي المتعاقبة السابق منهم إلى اللاحق في البحث الفقهي المعروف من كتاب البيع.
الثالثة ـ في التواتر لا يحتمل عادة أَنْ يكون بعض المخبرين قد وقع تحت تأثير وهم المخبر الآخر ، لأنَّ ذلك خلف المفروض في التواتر وهذا بخلاف باب الإجماع فانَّ تأثر اللاحق بالسابق في الفتوى أمر واقع كثيراً وقد يكون التأثر إجمالياً ارتكازياً ، وهذا