بعض الأقوال فإذا أجمعت الطائفة على قول ينكشف انَّه هو الحقّ وإِلاّ لزم خفاء الحقيقة كليّاً وهو خلاف اللطف.
وهذا المسلك غير تام لوجوه :
أحدها ـ انَّه لو أُريد من المصالح الحقيقية الملاكات التكوينية الثابتة بقطع النّظر عن أحكام الشارع وتشريعاته فمثل هذه الملاكات من الواضح عدم لزوم حفظها من قبل الله سبحانه على البشرية ولم تجر العادة أيضا على حفظها بتدخل مباشر من الله سبحانه بل أُوكل ذلك إلى خبرة البشر وبصيرتهم المتنامية المتطورة من خلال التجارب والممارسات ولعلَّ الحكمة في ترك البشر وخبرته ليتكامل ويكدّ وتتفتّح قدراته وإمكاناته تدريجيّاً ، والحاصل قاعدة اللطف لا يمكن تطبيقه على مثل هذه الملاكات الأوليّة التكوينية امَّا لعدم المقتضي لمثل هذا التطبيق أو للمزاحمة مع الملاك الّذي ذكرناه ، ولهذا لم يلزم على الله سبحانه أَنْ يبعث أطبّاءً كما بعث أنبياء.
ولو أُريد تطبيقها على المصالح والملاكات البعدية التي تحصل في طول التشريع الرباني وهي ملاكات الطاعة والعبودية لله والتكامل المعنوي وهي التي طريق حفظها منحصر بالله سبحانه بما هو مشرع وواضع العقاب والثواب فكبرى تطبيق قاعدة اللطف على مثل هذه المصالح وإِنْ كان لا يخلو من وجه ولهذا طبقت القاعدة لإثبات أصل النبوة العامة. إِلاّ انَّ صغرى ذلك غير منطبق في المقام إِذ لا فرق في حفظ هذه الملاكات الطولية بين الحكم الظاهري والواقعي فحتى إذا كان ما أجمع عليه الفقهاء خلاف الحكم الواقعي لا يكون ذلك خارجاً عن الشرع بل على طبقه وبقاعدة أو أصل من أصوله ووظائفه المقررة ظاهرياً كما هو واضح.
الوجه الثاني ـ انَّه لو تنزلنا فاللطف المذكور في إبراز الحقيقة امَّا أَنْ يدعى انَّه لطف لازم من قبله سبحانه بالنسبة إلى كلّ المسلمين أو إلى بعضهم بأنْ يرشد خمسة من العلماء مثلاً إلى الحقيقة ويكفي ذلك لإنجاز المهمة العقلية العملية ، امَّا الثاني فغريب في نفسه كبروياً إذ ميزان ترقّب اللطف هو العبودية والحاجة إلى اللطف وهو في الجميع على حد واحد فكيف يختص ببعض ويكفي ذلك في سد الحاجة عن غيرهم ، وامَّا الأول بأَنْ يفترض انَّ طريق الحقيقة مفتوح للجميع بحيث كلّ عالم يمكنه أَنْ