الدقة الصناعية إحراز خصوصية الظهور المبحوث عنه بل الطرحة الصحيحة الحديثة لكثير من البحوث اللفظية الأصولية تقوم على هذا المنهج فمثلاً دلالة صيغة الأمر على الوجوب لا نقاش فيها بحسب الحقيقة وانَّما البحث عن ملاكها وخصوصيتها.
وأمَّا الموضع الرابع ـ وهو التنسيق بين ظهورين في كلام واحد بحيث على أساسها تستنتج دلالة ثالثة ، فمن قبيل ما ذكرناه في بحث المفهوم للجملة الشرطية من أنَّه لا بدَّ من ملاحظة انَّ التعليق يطرأ على إجراء الإطلاق في الجزاء أو الإطلاق يجري في الحكم المعلَّق ، وعلى الأول يدلّ الكلام على انتفاء سنخ الحكم فينتج المفهوم بخلافه على الثاني. وللصناعة أيضا مجال في إثبات إمكان طرو التعليق على المطلق وعدمه وهذا بحسب روحه وإِنْ كان بحثاً صغروياً عن مصداق الظهور المفروغ عن كبراه إِلاّ انَّه
بلحاظ كونه كيفية للتنسيق بين صغرى ظهورين أو أكثر أفردناه في الذّكر.
ثمّ انَّ هناك حالة أُخرى يحتاج فيه الفقيه إلى إِعمال الصناعة في باب الدلالات لا لإثبات أصلها بل لتفسير ما يعترف مسبقاً بثبوته من أنواع الدلالة والظهور وقد اصطلحنا على ذلك بالبحوث اللغوية التفسيرية لأنَّه قد يكون أصل الدلالة والظهور بحسب الوجدان ثابتاً ولكن لا يعرف تخريجه الفنّي ونكتته لكي يستفاد من ذلك في مقام الإقناع أو في التأكّد من الظهور أو دفع تهافت وتذبذب متوهّم بين ظهورين ودلالتين وجدانيّتين لا يمكن رفعه إِلاّ بإعطاء نظرية يمكن أَنْ ينسق على أساسها بين كلّ تلك الوجدانات من دون تهافت ، وهذا نظير أبحاثنا في مفهوم الشرط حيث قلنا انَّ أصل وجدانية المفهوم للجملة الشرطية ينبغي أَنْ لا يشكك فيها وانَّما لا بدَّ من إعطاء تفسير فنّي لمثل هذه الاستفادة يدفع على أساسها شبهات فنيّة أوردناها هناك من انَّ المعلَّق شخص الحكم فكيف يستفاد المفهوم أو كيف يجري الإطلاق في الحكم المعلق بلحاظ التعليق مع انَّه نسبة ناقصة إلى غير ذلك ، وكذلك ينسق على أساسها بين وجدانيين قد يتوهّم التنافي بينهما وهو وجدانية المفهوم للجملة الشرطية ودلالتها على انحصارية الشرط من جهة ووجدانية عدم لزوم المجاز في موارد استعمالها مع ثبوت العدل وعدم اللزوم الانحصاري فقد دفعنا هذا التذبذب الّذي قد يؤدّي بصاحبه إلى التشكيك في أصل الدلالة الوجدانية ، بل المظنون انَّ من أنكر المفهوم للشرط كان مهم