الوجهين الثالث والرابع لا يندفعان بذلك لأن الواجب التعبدي وان انحل إلى امرين بمقتضى هذا التفسير وقد يكونان بجعلين أيضا الا ان هذين الجعلين والأمرين بحسب الروح واللب امران ضمنيان لأنهما نشئا من ملاك واحد وإرادة واحدة فهما كالأمرين الضمنيين ليست لهما محركيتان مستقلتان بل محركية واحدة ، فنقول حينئذ : ان الأمر الثاني لا يمكن ان تكون له محركية زائدة على محركية الأمر الأول بذات الفعل لا تأسيسا ولا تأكيدا ، فلا يمكن ان يكون الأمر الثاني امرا حقيقيا ، اللهم الا إذا أخرجناه عن حقيقة الأمر إلى شيء آخر سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
ثم ان هذا الوجه في تفسير الواجب التعبدي قد جاء في كلمات المحققين من علماء الأصول ضمن صياغات ثلاث متفاوتة فيما بينها برغم اشتراكها جميعا في أصل فكرة تعدد الأمر امر بذات الفعل وآخر بقصد الأمر حين امتثال الأمر الأول.
الصياغة الأولى ـ ما جاء في الكفاية من ان الأمر الأول يتعلق بذات الفعل مطلقا ويأتي التقييد بقصد الأمر بأمر ثان مستقل عن الأمر الأول جعلا ومجعولا (١).
الصياغة الثانية ـ ما ذهب إليه المحقق النائيني ( قده ) (٢) من ان الأمر الأول يتعلق بالطبيعة المهملة « لا بشرط المقسم » لأنه إذا استحال التقييد بقصد الأمر استحال الإطلاق بلحاظه أيضا لأن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة فكلما استحال أحدهما استحال الآخر. وحينئذ لا بد من رفع إهمال الأمر الأول بالأمر الثاني الّذي هو مستقل عن الأمر الأول جعلا ومجعولا ولكنه متمم للجعل الأول حيث لا يعقل الإهمال الثبوتي واقعا فلا بد للمولى ان يرفع هذا الإهمال بأمر ثان يبين فيه الإطلاق أو التقييد في تمام موارد القيود الثانوية التي لا يمكن أخذها في متعلق الأمر الأول.
الصياغة الثالثة ـ ما ذهب إليه المحقق العراقي ( قده ) من ان الأمر الثاني وان كان مستقلا في مرحلة المجعول والفعلية ولكنه متحد مع الأمر جعلا وإنشاء نظير جعل
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١١١.
(٢) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ١٠٣ ـ ١٠٤ ـ ١١٦.