التقريب الثالث ـ أن يكون النّظر إلى خصوص الاتجاه الثالث من الاتجاهات الثلاثة التي احتواها التفسير الأول ، أي الاتجاه القائل بأن الشرط بوجوده العلمي وإحراز المولى له مؤثر في إيجاد الحكم ، فانه على أساس هذا المسلك سوف يكون الشرط مجرد داع للمولى ـ كالمصلحة والمفسدة ـ ويكون تشخيصه له هو السبب للإنشاء واعتبار الحكم على المكلف ولا يمكن للمكلف إعمال تشخيصه في ذلك ، وعلى ذلك فلو فرض ان عصيان الأمر بالأهم كان شرطا من هذا القبيل كما لو كان المكلف بين يدي المولى وأحرز المولى انه يعصي الأمر بالأهم فأمره بالمهم ، أو قيل بأن الخطابات المشروطة ليست إلا عبارة عن مجموعة من الخطابات المطلقة على خصوص المكلفين الذين قد أحرز الله تعالى تحقق الشرط في حقهم وان القضية الحقيقية المجعولة مجرد تعبير وتجميع لتلك الخطابات الخاصة كان الأمر بالمهم حينئذ منافيا ومطاردا مع الأمر بالأهم لأنه تكليف مطلق بالضدين وهو تكليف بغير المقدور. وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأن الشرط بمعنى الموضوع.
وهذا التقريب ظاهر جزء آخر من عبارة التقرير ، وهو وإن كان صحيحا إلا أنه لم يكن متوهما من قبل القائل بامتناع الترتب في المقام ، بل الدخول في البحث عن امتناع الترتب واستحالته انما هو بعد الفراغ عن كون التكاليف المشروطة مجعولة على نهج القضايا الحقيقية وليست عبارة عن الجمع بين تكاليف مطلقة لخصوص من يتحقق الشرط في حقهم.
ومن مجموع ما تقدم في هذه المقدمة اتضح ان مهم النكتة في عدم المنافاة بين الأمر بالمهم مع الأمر بالأهم والّذي لم يتصد في المقدمة لإثباته والتوجه إليه مستقلا لتوضيحه وتنقيحه وانما اشتغل ببيان معاني الشرطية التي هي أجنبية عن روح البحث وأصله.
أقول : قد اتضح ان النكتة كامنة في ان الأمر بالمهم بعد كونه مشروطا ومترتبا على عصيان الأهم لا يمكن أن يكون مقتضيا له وهذا ما سنوضحه وننقحه بشكل أكثر تفصيلا لدى التعرض إلى لباب برهان إمكان الترتب.
واما المقدمة الرابعة ففي بيان عدم المطاردة بين الأمر بالأهم والأمر بالمهم وهذا ما يمكن توضيحه ضمن نقاط ثلاث :