الثالث والرابع معقولين. وبعد هذا ننتقل إلى المسألة الفلسفية وهي التي تنحسم بها مسألة الجبر والاختيار حيث ان مجرد اختيار المذهب الشيعي في المسألة الأولى القائل بان للإنسان دخلاً في الفاعلية كما ان لله تعالى دخلاً فيها أو اختيار المذهب المعتزلي القائل بأن الإنسان هو الفاعل محضاً لا يحتمّ كون الإنسان مختاراً غير مجبور في فعله فلعل صدور الفعل من الإنسان كصدور الإحراق من النار بناء على فاعلية النار للإحراق نعم لو اختير في المسألة الأولى المذهب الأشعري القائل بكون الفاعل هو الله محضاً ثبت كون الإنسان غير مختار فهذا المسلك وان كان يكفي لإثبات الجبر لكن المسلكين الآخرين لا يكفيان لإثبات الاختيار فلا بد من المسألة الثانية لحسم مسألة الجبر والاختيار فنقول :
وأما المسألة الثانية ـ فهي في الحقيقة نشأت لدفع شبهة فلسفية تنفي الاختيار حتى بعد الاعتراف بان الفعل فعل الإنسان وهذه الشبهة مركبة من مقدمتين :
الأولى ـ ان الاختيار ينافي الضرورة فان الضرورة تساوق الاضطرار المقابل للاختيار من قبيل حركة يد المرتعش التي هي ضرورية.
الثانية ـ ان صدور الفعل من الإنسان يكون بالضرورة لأن الفعل الصادر منه ممكن من الممكنات فتسوده القوانين السائدة في كل عالم الإمكان القائلة بان الممكن ما لم يجب بالغير لم يوجد فبالجمع بين هاتين المقدمتين يثبت ان الإنسان غير مختار في أفعاله إذ لا يصدر منه فعل الا بالضرورة والضرورة تنافي الاختيار.
وهذه الشبهة اختلفت المسالك والمباني في كيفية التخلص منها فبعضها يرجع إلى المناقشة في المقدمة الأولى وبعضها يرجع إلى المناقشة في المقدمة الثانية فنقول :
المسلك الأول ـ ما ذهب إليه المشهور من الفلاسفة فاعترفوا بالمقدمة الثانية وهي ان فعل الإنسان مسبوق بالضرورة ، لكنهم ناقشوا المقدمة الأولى وهي ان الضرورة تنافي الاختيار ، وذلك انهم فسّروا الاختيار بان مرجعه إلى القضية الشرطية القائلة ان شاء وأراد فعل وإلاّ لم يفعل والقضية الشرطية لا تتكفل حال شرطها وانه هل هو موجود بالضرورة أو معدوم بالضرورة أو لا فمتى ما صدقت هذه القضية الشرطية فقد صدق الاختيار حتى إذا فرض ان الشرط وهو الإرادة مثلا كان ضرورياً فكان