فلا يحتاج حدها إلى بيان زائد على بيان المحدود بينما تزيد الإرادة الضعيفة بحدها على حقيقة الإرادة فلو كانت هي المعبر عنها بالأمر لكان اللازم ان ينصب القرينة على حدّها الزائد لأن الأمر لا يدل الا على ذات الإرادة (١).
وهذا البيان وإن كان صناعيا في الجملة الا انه يرد عليه بان الإطلاق ومقدمات الحكمة ظهور حالي عرفي يقتضي في ما دار امر المتكلم فيه بين أن يكون مرامه سنخ مرام يفي به كلامه وليس فيه مئونة زائدة بنظر العرف أو كونه سنخ مرام بحاجة إلى مئونة زائدة في نظر العرف لم يف بها الكلام تعين الأول واما لو فرض ان هذا التمييز والاختلاف بين المرامين والحدين امر عقلي بالغ الدقة لا عرفي فلا تكون مقدمات الحكمة مؤثرة في إثبات إطلاق عرفي لتعيين أحدهما في قبال الآخر وما ذكر من الفرق بين الوجوب والاستحباب كذلك فان العرف لا يلتفت إليه حتى ارتكازا (٢).
الثاني ـ وهو يتركب من مقدمتين :
أولاهما ـ ان الوجوب ليس عبارة عن مجرد الطلب لأن ذلك ثابت في المستحبات أيضا بل لا بد من عناية زائدة وليست هذه العناية عبارة عن انضمام النهي أو المنع عن الترك إلى الطلب لأن النهي بدوره ثابت أيضا في باب المكروهات وانما العناية الزائدة هي عدم الترخيص في الترك خلافا للاستحباب الّذي تكون العناية فيه الترخيص في الترك والنتيجة ان الوجوب طلب متميز بقيد عدمي والاستحباب طلب متميز بقيد وجودي وهو الترخيص في الترك.
ثانيهما ـ انه كلما كان الكلام وافيا بحيثية مشتركة وتردد أمرها بين حقيقتين المميز لإحداهما أمر عدمي وللأخرى أمر وجودي تعين بالإطلاق الحمل على الأول لأن الأمر العدمي لا مئونة فيه بحسب النّظر العرفي فإذا كان المقصود ما يتميز بالأمر الوجوديّ
__________________
(١) مقالات الأصول ، ج ١ ، ص ٦٥ ـ ٦٦.
(٢) على ان هذا البيان انما ينفع في إثبات الوجوب بالأمر في مقام الإنشاء ولا ينفع في دلالة مادة الأمر على الطلب الوجوبيّ إذا لم تستعمل في مقام إنشاء الطلب والإرادة التشريعية بها أي إذا لم يكن المرام الجدي للكلام الطلب بل الاخبار عن الطلب ومن الواضح ان الوجدان العرفي قاض بان مادة الأمر المستعملة في مقام الاخبار أيضا ظاهر في إرادة الطلب الوجوبيّ منها فيكون دليلاً على القول الأول لا محالة وان منشأ الدلالة على الوجوب لا بد وان يكون هو الوضع. وهذا إشكال وارد على جميع التقريبات التي سوف تذكر لاستفادة الوجوب بالإطلاق ومقدمات الحكمة الّذي هو ظهور حالي.