كالمطلقة فعلية من أول الأمر ، كما هو الحال على النظرية الأولى ، ولكنها تختلف عنها في ان النظرية الأولى كانت تفترض فعلية الإرادة ورجوع القيد إلى المراد الا ان هذه النظرية تقبل ان الشرط راجع إلى الإرادة ولكنها تفترض ان الإرادة تكون فعلية لفعلية شرطها ، لأن شرطها ليس وجود القيد خارجا بل لحاظه ووجوده الذهني في أفق نفس المولى وهو فعلي حين فعلية الإرادة ، نعم فاعلية هذه الإرادة الفعلية عقلا مشروطة بتحقق الشرط خارجا ، وكأن منشأ هذه النظرية ان الإرادة من موجودات عالم النّفس فلا بد وان يكون شرطه المؤثر فيه من سنخه وعالمه لا من عالم آخر وهو العالم الخارجي (١).

وفيه : ان ما ذكر من ان الإرادة من موجودات عالم النّفس لا الخارج فلا بد وان يكون شرطه كذلك أيضا وان كان صحيحا الا انه لا يعني ان يكون مجرد لحاظ وتصور الشرط الخارجي شرطا للإرادة ، بل التصديق بوجوده والإحساس به هو الّذي يكون شرطا في انقداح الإرادة في النّفس. والوجدان قاضي بأن مجرد تصور العطش لا يكفي لحصول الإرادة نحو شرب الماء ولا يحدث شوقا ، كيف والشوق بحسب تركيب الإنسان انما ينشأ من ملائمة قوة من قوى النّفس وحاجة من حاجاته مع شيء يكمله ويجبر النقص الّذي يحس به ، والمرتوي بالفعل لا يناسب الماء مع قواه بل قد يكون مضرا بحاله ، والشوق فرع الملائمة حقيقة لا تصور الملائم.

النظرية الثالثة ـ ما ذهب إليه المحقق النائيني ( قده ) من ان الإرادة المشروطة كالمطلقة فعلي من أول الأمر ـ كما هو الحال على النظريتين السابقتين ـ الا ان وجود الإرادة المشروطة تعني وجود إرادة معلقة بينما وجود الإرادة المطلقة تعني وجود إرادة فعلية وغير معلقة ، فالوجود للإرادة في كليهما فعلي الا أن الموجود في المشروطة معلق وفي المطلقة فعلي ، وهذا نظير وجود حرمة فعلية لشرب الخمر ووجود حرمة معلقة على الغليان لشرب العصير العنبي في الأحكام الاعتبارية.

وفيه : ان التفكيك بين الوجود والموجود غير معقول ، لأن الوجود عين الموجود بذلك الوجود فيستحيل ان يكون أحدهما معلقا والآخر فعليا ، نعم يصح هذا التفكيك في

__________________

(١) مقالات الأصول ، ج ١ ، ص ١٠٥ ـ ١٠٨.

۴۴۲۱