والقبح اللذان هما من المقولات الاعتبارية الواقعية بحسب تعبيراتهم ، ومن موجودات لوح الواقع بحسب تعبيراتنا ، فبالإمكان استناده إلى شرط من سنخه كعنوان تعقب الغسل مثلا فعنوان تعقب الشرط أو مسبوقية الفعل به وتقدمه عليه يمكن ان ينتزع منه العقل الحسن أو من خلافه القبح والقبلية تنشأ من مقايسة العقل بين الصوم والغسل وهي حاضرة دائما لدى العقل فيصبح الشرط مقارنا في الحقيقة (١).
والواقع ان الشرط المتأخر في باب المصالح والمفاسد ثابت أيضا ومعقول ولا يختص باحكام المولى تعالى التي قد تكون بملاك الحسن والقبح العقليين ، فالطبيب قد يأمر المريض بشرب دواء مشروطا بشيء متأخر ، فلا بد من استئناف جواب آخر عام في سائر موارد الشرط المتأخر.
والتحقيق : ان الإشكال نشأ من افتراض ان المأمور به هو المقتضي للمصلحة المطلوبة كصحة المزاج مثلا في مثال المريض ، وان الأمر المتأخر هو الشرط في تحقق تلك المصلحة ، فيقال لو فرض تحقق المصلحة حين المقتضي لزم تأثير المتأخر في المتقدم ولو فرض تحققها حين الشرط لزم تأثير المقتضي بعد انقضائه وكلاهما محال ، الا أن هناك فرضا آخر ينحل به الإشكال ، وهو ان ما فرض مقتضيا للمصلحة المطلوبة ليس مقتضيا لذلك بالمباشرة بل ذلك يوجد أثرا معينا يكون الحلقة المفقودة بين هذا المأمور به والمصلحة المطلوبة ، وذلك الأثر يبقى إلى زمان الشرط المتأخر ، فبمجموعهما يكتمل اجزاء علة المصلحة المتوخاة فتحصل المصلحة ، فشرب الدواء مثلا يولد حرارة معينة في الجسم وتلك الحرارة تبقى إلى زمان المشي أو الامتناع عن الطعام مثلا فتؤثر في الصحة المزاجية المطلوبة ، وهذا شيء مطرد في كل المقتضيات التي يظهر أثرها بعد انضمام شرط متأخر يحصل بعد فقدان ذلك المقتضي ، فنعرف عن هذا الطريق وجود حلقة مفقودة هي المقتضي للأثر المطلوب لا هذا الّذي سمي بالمقتضي ، بل هذا مجرد موجد لذلك المقتضي والمفروض الفراغ عن إمكانية بقاء الأثر بعد زوال المؤثر بواسطة حافظات أخرى لذلك الأثر ، فانه لا إشكال عند أحد في بقاء البناء على وضعه الّذي
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١٤٧ ـ ١٤٨.