التحذر في الطلب الاستحبابي قرينة متصلة على الاختصاص بالطلب الوجوبيّ (١).
هذا ونحن في غنى عن مثل هذه الاستدلالات فانه مما اتفق عليه المحققون دلالة مادة الأمر على الوجوب بحكم التبادر وبناء العرف والعقلاء على كون الطلب الصادر من المولى بمادة الأمر وجوبا ولم يستشكل فقيه في استفادة الوجوب من لفظ أمر ورد في لسان الشارع عند عدم القرينة على الاستحباب.
وانما الّذي وقع فيه البحث هو كيفية تفسير هذه الدلالة وتحديد منشئها.
وقد اختلفوا في ذلك على أقوال ثلاثة :
١ ـ أن تكون الدلالة على أساس الوضع للوجوب.
٢ ـ أن تكون بحكم العقل.
٣ ـ أن تكون بالإطلاق ومقدمات الحكمة.
وقد ذهب المشهور إلى القول الأول وذهبت مدرسة المحقق النائيني ( قده ) إلى القول الثاني وذهب المحقق العراقي إلى القول الثالث. وهذه الأقوال والاحتمالات الثلاثة واردة في صيغة الأمر أيضا على حد واحد ، لأن دلالتها على الوجوب كدلالة مادته مفروغ عنها بحكم التبادر والوجدان العقلائي وانما البحث في تفسيرها وملاكها ونحن هنا نبحث عن تفسير دلالة الأمر على الوجوب بلحاظ المادة والهيئة معا. فنقول : أما القول الأول فدليله التبادر مع إبطال سائر المناشئ الأخرى المدعاة لتفسير هذا التبادر.
وأما القول الثاني فقد ذكر المحقق النائيني في إثباته ان الوجوب ليس مدلولا للدليل اللفظي وانما مدلوله الطلب فحسب وكل طلب يصدر من العالي إلى الداني ولا يقترن بالترخيص في المخالفة يحكم العقل بلزوم امتثاله وإطاعته وبهذا اللحاظ ينتزع عنوان الوجوب منه بينهما إذا اقترن بالترخيص المذكور لم يلزم العقل بموافقته وبهذا اللحاظ يتصف بالاستحباب فكل من الوجوب والاستحباب شأن من شئون حكم
__________________
(١) لعل الأوفق ان يقال بأن الأمر في هذه الآية وأمثالها يعلم باستعماله في خصوص الطلب الوجوبيّ ولو بقرينة التحذر الا أن الاستعمال أعم من الحقيقة.