.............................
ما ذكر. هذا محصل توضيح عبارة الكفاية. ولا بد من التعرض لشيء استطرادي أيضا وهو انه قد يشكل على القول بحكومة الأمارة على الاستصحاب.
بتقريب : ان دليل الأمارة يتكفل جعلها علما تنزيليا والمأخوذ في موضوع الأصل الجهل بالواقع ، فيكون ورود الأمارة رافعا لموضوع الأصل تعبدا بان الأمارة أيضا قد أخذ في موضوعها الشك وذلك لأنه لا إشكال في عدم اعتبارها مع اليقين بالواقع بأي نحو من أنحاء الاعتبار ، فيدور الأمر ثبوتا بين ان يؤخذ في موضوعها الجهل بالواقع أو يكون مطلقا بالنسبة إلى حكم العلم والجهل أو يكون مهملا لا مجال للثالث لامتناع الإهمال في مرحلة الثبوت. وكذا الثاني لما عرفت من عدم اعتبارها في صورة اليقين والعلم ، فيتعين الثالث ، وإذا كان موضوعها مقيدا بالجهل فالاستصحاب يتكفل تنزيل الشك منزلة اليقين ، فهو يثبت اليقين تنزيلا فيكون رافعا لموضوع الأمارة لحصول اليقين بالواقع تعبدا ، وبالجملة : يلزم من تقريب حكومة الأمارة على الاستصحاب ذكر التحاكم من الطرفين.
ولا وجه للتفصي عن هذا الإشكال بعدم أخذ الجهل في الأمارة موضوعا بل موردا لما عرفت من إقامة البرهان على أخذه في موضوعها.
وبالجملة : لا يتضح الفرق بين الموضوع والمورد الا لفظا.
ويمكن الإجابة عنه : ان الفرق بين الموضوع والمورد هو : ان القيود التي تحدد الحكم بنحو خاص بحيث لا يتعداه إلى غيره ولا يتحقق في ظرف آخر على نحوين :
الأول : مما يرجع إلى المرتبة السابقة على الحكم ، وهي التي يعبر عنها بقيود الموضوع ، كأخذ العادل في موضوع وجوب الإكرام في قول الأمر : « أكرم العالم العادل ».
الثاني : ما يكون متحدا في المرتبة مع الحكم ، بان يؤخذ في نفس الحكم دون الموضوع ، وهو المعبر عنه بقيود الحكم. وذلك نظير التعبد بأحد جزئي الموضوع ، فانه مقيد بالتعبد بالجزء الآخر ـ في صورة عدم إحرازه بالوجدان ـ بحيث يكون التعبد بالجزء الآخر في عرضه التعبد به ، فهو مأخوذ في نفس الحكم وهو التعبد ، بحيث لولاه لما صح التعبد به ، وليس مأخوذا في مرحلة سابقة عليه للزوم المدعى ـ كما لا يخفى ـ. فالقسمان يشتركان في كونهما محددان للحكم بحد خاص ، بحيث لا يثبت مع عدم ثبوتهما ، إلا انهما يختلفان في ان أحدهما يؤخذ في المرحلة السابقة على الحكم ، والثاني : يؤخذ في مرحلة الحكم نفسه ، ويكون قيدا لنفس الحكم. فيمكن أن يكون المراد بقيد الموضوع هو القيد المأخوذ في مرحلة سابقة عن الحكم ، وبقيد المورد هو المأخوذ في نفس الحكم. وحيث ان الشك أخذ في الاستصحاب في المرحلة السابقة مع التعبد وفي الأمارات ليس كذلك ، بل الحكم مقيد بهذا القيد يعني بصورة الجهل دون العلم بالدليل العقلي ، كان الشك مأخوذا في موضوع الاستصحاب دون الأمارة ، بل فيها أخذ في نفس الحكم ، وهو المراد من كونه مأخوذا في موردها. وعلى هذا فلا يكون الاستصحاب حاكما على الأمارة لأنه لا يتصرف