وعليه ، فلا منافاة بينهما عرفا كي يقع الكلام في تقديم أيهما ، فمع ورود الأمارة يتحقق البيان حقيقة ، فينتفى : « لا بيان » الّذي هو موضوع القاعدة العقلية التي تبتني عليها البراءة فلا تبقى القاعدة حينئذ لارتفاع موضوعها.

وبتقريب صناعي : ان الأخذ بالدليل الوارد لوجود المقتضي وعدم المانع.

اما وجود المقتضي ، فهو دليل اعتباره وتحقق موضوعه. واما عدم المانع ، فلأن المانع المتخيل هو الدليل المورود ، وهو غير ناظر إلى ما يتكفله الدليل الوارد أصلا ، وموضوعه غير موضوعه. فكل منها في مقام غير مقام الآخر ، بل لا يصلح ان يكون مانعا إلا على وجه محال ، كما يأتي من صاحب الكفاية ، وان كنا لسنا بحاجة إليه كما يأتي.

واما الدليل المورود ، فلا مقتضى فيه كي يؤخذ به ، لأن ثبوته متوقف على عدم ورود الدليل الوارد ، لأنه رافع لموضوعه.

فالأساس الّذي يرتكز عليه ما ذكرناه هو عدم وجود أي منافاة بين الدليلين ، لأن كلا منهما ناظر إلى مقام يختلف عن المقام الّذي ينظر إليه الآخر.

وبعد هذا ، لا مجال للإشكال : بان الورود انما يكون مع الأخذ بالدليل الوارد ، وإلاّ فمع الأخذ بالدليل المورود لا يتحقق المورود ، فلم يؤخذ بالدليل الوارد ولا يؤخذ بالدليل المورود؟ ـ كما تعرض إليه المحقق الخراسانيّ في الكفاية (١) ـ.

لأنه لا تنافي ولا تصادم بين الدليلين ، كي يقال بأنه لم يؤخذ بهذا الدليل دون ذاك؟.

وهل يفيد التعرض إلى هذا الإشكال بأنه فسر الورود بتفسير آخر غير ما فسره القوم ، أو يمكن حمله على ما لا يخالف ما ذكرناه؟.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

۴۵۰۱