أعني ما كان المهم فيه هو الاعتقاد الّذي هو محل الخلاف بينهما ـ هو : ان الاعتقاد بالشيء لا ينفك عن اليقين به ، فمع الشك فيه أو اليقين بعدمه لا يمكن تحقق الاعتقاد. وان انفك اليقين عن الاعتقاد ، فيمكن حصول اليقين ولا يحصل الاعتقاد ، كما تدل عليه الآية الكريمة : ﴿ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ﴾(١).
فاليقين منفك عن والاعتقاد غير منفك عن اليقين.
وإذا كان الاعتقاد ملازما لليقين ، فلا يجدي استصحاب متعلقه في صحة الاعتقاد به لعدم رفعه الشك إلا تعبدا.
وقد ذكر المحقق الخراسانيّ في الحاشية وجها لإجراء الاستصحاب في المتعلق ـ على تقدير القول بعدم انفكاك الاعتقاد عن اليقين ـ تقريبه : انه يمكن
__________________
لشخص النبي ، وأما المقام المجعول للنبي وهو مقام تبليغ الأحكام والرسالة ، نظير مقام الإمامة ، وأما مجموع الأحكام التي جاء بها النبي.
ولا يخفى أنّ النبوة بالمعنى الأول لا يشك في بقائها لعدم زوالها بعد اتّصاف النبي بها. وبالمعنى الثاني يعلم بارتفاعها بالموت ، إذ لا محصّل لجعل المنصب المزبور شرعا بعد الموت.
نعم هي بالمعنى الثالث قابلة للاستصحاب لإمكان تعلّق الشك بها ، لكن نقول أنّ المتيقّن هو الأحكام المحدودة بمجيء نبيّنا صلىاللهعليهوآله بحيث تكون خصوصية التحديد مأخوذة في متعلّق اليقين ، ومثله لا يشك في بقائه بل يعلم بارتفاعه ، فليس المتيقّن أحكام الشريعة السابقة على الإجمال بل الأحكام الخاصة وهي المحدودة بالحدّ الخاصّ فلا تثبت بعد الحدّ جزما ، فيمتنع التمسّك بالاستصحاب.
ولعلّه إلى ذلك يرجع ما ذكره بعض أفاضل السادة في ردّ الكتابي الّذي تمسّك بالاستصحاب ، فهو لا يريد أن المتيقّن أحكام شريعة موسى وعيسى المحدودة.
وتنكر الأحكام غير المحدودة ، فيرجع التحديد إلى الأحكام التي يراد استصحابها ، لا إلى نفس موسى وعيسى كي يقال إنّهما فردان جزئيان لا كليّان فلا يقبلان التقييد الموجب للتفرّد والتخصّص لأنّه شأن المفاهيم الكليّة لا الجزئية.
وأما ما ورد عن الإمام الرضا عليهالسلام في جواب الجاثليق فهو لا يرتبط بالاستصحاب لا سؤالا ولا جوابا ويمكن أن يكون منظوره « سلام الله وصلواته عليه » إلى ما قلناه من كون المتيقّن أمرا خاصّا ، فتدبّر. والأمر سهل كما لا يخفى ، والله سبحانه العالم.
(١) سورة النمل ، الآية : ١٤.