المحذور الثاني (١) : ان الأثر انما يترتب على عدم الحادث في زمان وجود
__________________
(١) لا يخفى أنّ هذا الوجه مع الوجه الأول الّذي ذكره صاحب الكفاية بالبيان الّذي ذكرناه ليسا في عرض واحد ولا يردان على تقدير واحد ، بل كل منهما وارد على تقدير.
وتوضيح ذلك : أنّ الموضوع للأثر المردّد بين أمرين تارة يكون له واقع خارجي مشخّص بأحد المشخّصات لكنه مردّد بين عنوانين يحتمل انطباق كل منهما عليه ، كما لو رأيت شيخا يتكلّم لكنّه كان مردّدا بين كونه ابن زيد أو ابن عمرو. وأخرى لا يكون له واقع مشخّص بل يكون واقعه مردّدا بين وجودين ، كما لو تردّد الجائي بين كونه زيدا أو عمرو.
ففي الأول يكون موضوع الأثر وجودا معيّنا لكنّه مردّد بين عنوانين. وهو المرئي أو المسموع صوته ، فإنّ هذا العنوان يشير إلى واقع مشخّص.
وفي الثاني يكون موضوع الأثر مردّدا بين وجودين ، كعنوان الجائي فإنّه لا يشير إلى واقع معيّن مشخّص بل يشير إلى واقع مردّد بين وجودين أحدهما زيد والآخر عمرو.
والفرق بين الصورتين : أنّه في الصورة الأولى يمكن جعل هذا المردّد موضوع الأثر على كل تقدير وإن كان على أحد تقديريه لا يثبت له الحكم واقعا ، فيمكن الحكم في المثال المتقدّم بإكرام هذا المتكلّم سواء كان ابن زيد أو ابن عمرو. وإن كان حكم ابن زيد هو عدم وجوب الإكرام ، لتحقّق الشك في وجوب إكرام هذا الموجود فيتعبّد بوجوب إكرامه ، ولا يتنافى الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي المخالف له. وأما في الصورة الثانية ، فلا يمكن التعبّد بترتّب الأثر على كل تقدير إذا فرض أنّه غير ثابت له واقعا على أحد تقديريه.
وذلك لأنّ المفروض أنّ العنوان يشير إلى وجود مردّد ، والوجود هو موضوع الأثر لا العنوان ، والمفروض أنّ الوجود على أحد تقديريه لا يشك في ثبوت الحكم له ، فلا يمكن التعبّد الظاهري بوجوب إكرام الداخل سواء كان زيدا أو عمرا ، لأنّه ـ مثلا ـ لو كان زيدا يعلم بعدم وجوب إكرامه فلا شك في الحكم بالنسبة إليه ، فكيف يتعبّد بوجوب إكرام الداخل ـ وهو عنوان مشير إلى أحد الوجودين ـ على كل تقدير بعد أن كان فردا مردّدا؟ والتعبّد فرع الشك.
إذا اتّضح ذلك ، فنقول : إنّ موضوع الأثر فيما نحن فيه هو عدم التقسيم في زمان الإسلام ـ مثلا ـ ، وزمان الإسلام على الفرض مردّد مجهول الانطباق على أيّ الآنين ـ الثاني أم الثالث ـ.
وعليه : فإن لوحظ زمان الإسلام مما له واقع مشخّص غاية الأمر أنّه يتردّد عنوانه ، نظير الشيخ المرئي المردّد بين كونه ابن زيد أو ابن عمرو. فالتعبّد بعدم القسمة في زمانه على كل تقدير لا محذور فيه كما عرفت ، لكن يجيء إشكال صاحب الكفاية من تردّد هذا الزمان بين زمانين أحدهما منفصل والآخر متّصل فلا يجوز اتّصال زمان الشك بزمان اليقين.
وإن لوحظ زمان الإسلام عنوانا مشيرا إلى وجود مردّد بين فردين وهما الآن الثاني والآن الثالث. ـ