فأساس نكتة التزاحم هي استلزام كل من الحكمين رفع موضوع الآخر ، مع كون الحكم لا نظر له إلى إبقاء موضوع نفسه ، فلا يتنافى كل حكم مع ما يستلزم رفع موضوعه ، وعليه فإذا قدّم أحدهما لا يكون الآخر داعيا إلى صرف القدرة في متعلّقه لأنه يستلزم نظره إلى حفظ موضوعه وهو خلف.

هذا تقريب ما أفاده المحقّق النائيني في بيان جهة التنافي في باب التزاحم (١).

وقد ظهر أنه لا تنافي في مقام الجعل ولا المجعول.

فلا وجه لما قرّب بعضهم كلامه قدس‌سره من : ان التعارض هو التنافي في مقام الجعل ، والتزاحم هو التنافي في المجعول. وأورد عليه : بعدم الفرق بين مقامي الجعل والمجعول إذ عرفت انه لا تنافي بين الحكمين أصلا لأن أحدهما يرفع موضوع الآخر فلا تنافي إلا بمعنى عدم إمكان اجتماعهما في عرض واحد ، لا ان أحدهما ينفي الآخر ويرفعه ، فان كلا منهما لا نظر له إلى الآخر نفسه بل إلى موضوعه.

هذا ولكنّ الإنصاف يقتضي ان المنافاة بين الحكمين في مورد التزاحم تسري إلى عالم الجعل كالتعارض.

وامّا ما أفاده قدس‌سره فهو مخدوش فان أساسه كما عرفت على ان كلا من الحكمين يرفع موضوع الآخر بضميمة ان الحكم لا نظر له إلى حفظ موضوعه وإبقائه فلا منافاة بينهما. وهذا ممّا لا نقرّه ولا نعترف به.

بيان ذلك : ان عدم إمكان نظر الحكم إلى موضوعه حدوثا وبقاء لم يرد في آية أو رواية كي يتمسك بعمومها أو إطلاقها. ونظر الحكم إلى حفظ موضوعه ثابت في بعض الموارد نظير لزوم حفظ الماء للوضوء الّذي ينظر إليه الأمر

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٢٧٠ ـ الطبعة الأولى.

۴۸۰۱