هذا على انه يكفي عقلا وعقلائيا في تعلق الأمر بشيء ان يكون المتعلق هو غاية ما يمكن سد باب عدم الغرض من ناحيته ولو كانت هناك أبواب أخرى للعدم أيضا لا بد ان تسد وانما لم يؤمر بسدها لعدم إمكان الأمر بها ، ولهذا صح الأمر بما يحتمل كونه مصادفا للمحبوب كما إذا امر عبده ان يأتي له بأحد الكتب في الرف برجاء ان يصيب الكتاب الّذي يريده منها لعدم إمكان تكليفه بإتيان الكتاب المطلوب لكونه أميا مثلا لا يمكنه ان يقرأ.
وهكذا يتضح ان حقيقة الأمر التعبدي هو الأمر المتعلق بذات الفعل والمتجدد كلما لم يأت المكلف بقصد القربة. وهذا في الأوامر المجعولة بنحو القضية الخارجية يكون عن طريق تجديد الأمر الموجه إلى الشخص ، واما في الأوامر الكلية المجعولة بنحو القضايا الحقيقية فيكون عن طريق نصب قرينة عامة على ان هذا الأمر له توجهات عديدة تتجدد متى ما أتى المكلف بالفعل لا بقصد القربة (١) وهذا يعطي نفس نتيجة ما لو كان الأمر متعلقا بالفعل المقيد ولهذا يصح عرفا ان تبين هذه القرينة العامة بلسان تقييد متعلق الأمر فيقال صل بقصد القربة فهو تقييد في مقام الإثبات كاشف عن تجدد الأمر بحسب مقام الثبوت وهذا يعني ان الأمر التعبدي بلحاظ عالم الثبوت والحقيقة عبارة عن الأمر المتجدد وبلحاظ عالم الإثبات عبارة عن الأمر المتقيد بقصد القربة هذا ويمكن ان يقال : ان التقييد الثبوتي بقصد القربة ليس محالا مطلقا ومن كل آمر بل محال جعله من قبل من يلتفت ويعلم بالبراهين المتقدمة للاستحالة ( باستثناء البرهان الثاني وهو التهافت في اللحاظ حيث انه استحالة مطلقة حتى في حق الجاهل نظير استحالة اجتماع النقيضين الا ان أصل هذا البرهان كان قابلا للدفع بافتراض أخذ طبيعي قصد الأمر في متعلق الأمر ) فالمولى العرفي الّذي لم يدرس الأصول ليتوجه إلى برهان لزوم التكليف بغير المقدور أو عدم محركية الأمر بقصد
__________________
(١) لا مجال لتوهم تجدد الأمر بمعنى الجعل والإنشاء وأما تجدد الأمر بمعنى المجعول فهو يتوقف على ان تكون القضية الحقيقية في الجعل بنحو بحيث يمكن ان ينحل إلى مجعولات متكررة ومتجددة كلما لم يأت المكلف بقصد الأمر بأن يوجب تكرار العمل ما لم يأت بقصد الأمر الا أن هذا لازمه عدم العصيان إذا كرر العمل في تمام الوقت وهو خلف. والحاصل هذه القرينة العامة لا تتعدى ان تكون بيانا لتوقف الغرض على قصد الأمر وعدم سقوطه بمجرد الفعل وهذا غير الأمر الفعلي المتجدد.