المسلك الرابع ـ ما ذهب إليه المحقق النائيني ( قده ) حيث انه سلم بالمقدمة الأولى والثانية معا الا انه لم يقبل إطلاق المقدمة الثانية وقال بان قوانين العلية لا تشمل الأفعال الاختيارية للإنسان فالإنسان حينما يلتفت إلى عمل ما كالصلاة وتنقدح في نفسه الإرادة الجدية الكاملة لا يحصل وجوب وضرورة للصلاة بمعنى يخرجها عن قدرة الإنسان فالنفس حتى بعد الإرادة يبقى بإمكانها ان تتحرك نحو الصلاة أو لا تتحرك وحينما يصدر منها فعل الصلاة فقد صدر في الحقيقة من النّفس بعد ما تمت عندها الإرادة عملان طوليان :
( أحدهما ) فعل خارجي وهو الصلاة ( والآخر ) فعل نفساني قائم بصقع النّفس وهو أسبق رتبة من الفعل الخارجي وهو تأثير النّفس وحملتها وإعمالها للقدرة فالفعل يوجد بإعمال القدرة والاختيار وهذا الفعل النفسانيّ وهو إعمال القدرة والتحرك والتأثير نسبته إلى النّفس نسبة الفعل إلى الفاعل لا نسبة العرض إلى محله كالإرادة وهذه الحملة والتحرك التي هي فعل نفساني ليست معلولة للإرادة وفقا لقوانين العلية بل النّفس بعد الإرادة يبقي بإمكانها ان تتحرك نحو الفعل وان لا تتحرك وإذا لاحظنا هذين الفعلين نرى انهما اختياريان اما فعلها الأول وهو توجه النّفس وتأثيرها فهو أمر اختياري إذ لم يتحتم ولم يصبح وجوده ضروريا بالإرادة حتى يلزم خروجه من الاختيار وأما فعلها الثاني وهو الفعل الخارجي كالصلاة فهو وان أصبح ضروريا بعد الاختيار لكن هذه الضرورة لا تنافي الاختيار لأنها ضرورة نشأت من الاختيار إذ نشأت من الفعل الأول الّذي هو عين اختيار النّفس وإعمالها لقدرتها والضرورة في طول الاختيار لا تنافي الاختيار (١).
أقول : اننا نقبل من المحقق النائيني ( قده ) بنحو الإجمال ما ذكره من أنه لا بد من رفع اليد في الأفعال الاختيارية عن إطلاق قوانين العلية وقاعدة ان الشيء ما لم يجب لم يوجد كما سيأتي توضيحه ولكن ما ذكره في مقام تفصيل ذلك من افتراض فعلين للنفس وشرحه بالنحو الّذي عرفت يوجد لنا حوله عدة تعليقات.
__________________
(١) أجود التقريرات ، ج ١ ص ٩٠ ـ ٩٢.