المفروض كونه المبدأ الأول ولا مبدأ قبله ، وثبوت واجبين بالذات متلازمين اما ان يدعى : استحالته من جهة برهان وحدة الواجب واستحالة تعدده ـ ولو فرض ان أحدهما عدمي أو يقال : انه محال باعتبار ان التلازم بين شيئين يكون باعتبار علية أحدهما للآخر أو كونهما معلولين لعلة ثالثة وكلاهما غير معقول في الواجب لأنه خلف.
وبهذا يتحصل برهان ان عدم العدم معلول ومنتزع عن الوجود إذ نقول : هل ان عدم عدم الواجب ممكن أم واجب؟ فان قيل : بالأول كان معلولا للوجود الواجب لا محالة على حد معلولية الأمور الاعتبارية للأمور الواقعية وإن قيل : بالثاني فان أريد من عدم العدم مجرد اللفظ المساوق مع الوجود فهو خلف وإن أريد انه أمر آخر واجب فهو مستحيل إذ يلزم منه تعدد الواجب وتلازمهما وهو مستحيل.
ثالثا ـ ان هذا النقاش غاية ما يثبت دفع توقف وجود الضد على نفسه الا انه يستلزم توقفه على عدم عدم نفسه وهو مستحيل أيضا بنكتة أخرى هي : ان في رتبة عدم عدم الشيء يكون وجود ذلك الشيء واجبا بقانون استحالة ارتفاع النقيضين فان الوجود وإن لم يكن هو نقيض العدم بناء على هذا المسلك الا أنه لا إشكال عند صاحب هذا المسلك أيضا في بداهة استحالة ارتفاع الوجود والعدم ذاتا لا بالعرض ومن جهة كون الوجود لازما لعدم العدم فيستحيل ان يكون عدم العدم علة للوجود ، إذ العلة يتعقل في الأمر الممكن في رتبة وجود العلة لا الواجب بالذات. وبعبارة أخرى : ان علية عدم العدم للوجود تكون مقيدة بفرض ثبوت عدم العدم لأن علية العلة فرع ثبوت العلة ، فسوف تكون العلية الفعلية في المقام مقيدة بثبوت عدم العدم مع انه في هذه المرتبة يكون الوجود ضروريا بالذات فتكون العلية علية مقيدة بفرض يكون المعلول فيه واجبا وهو مستحيل.
رابعا ـ ان عدم العدم إن أريد به إضافة العدم إلى واقع العدم فهو مستحيل لأن الوجود والعدم عارضان على الماهية لا واقع الوجود أو العدم ، فان اتصاف واقع الوجود بالوجود أو بالعدم وكذلك واقع العدم مستحيل لأنه يستلزم التناقض أو إثبات الشيء لنفسه ، وإن أريد انتزاع مفهوم اعتباري للعدم وإضافة العدم إليه على حد إضافته إلى الماهيات فهذا المفهوم امر اعتباري ذهني محض ويستحيل ان يكون عدمه