وبين الأشاعرة القائلين بالجبر والشيعة القائلين بالأمر بين الأمرين وروح البحث في هذه المسألة يرجع إلى النزاع في تشخيص فاعل الأفعال الصادرة من الإنسان فمذهب التفويض يقول بان الفاعل محضا هو الإنسان ، ومذهب الجبر يقول بان الفاعل محضا هو الله سبحانه وتعالى ، والشيعة يقولون بان لكل منهما نصيبا في الفاعلية بالنحو المناسب له.
الثانية ـ المسألة الفلسفية وروح البحث فيها يرجع إلى ان فاعل هذه الأفعال سواء فرضناه في المسألة الأولى الإنسان أو الله أو هما معا هل تصدر منه اختياراً أو بلا اختيار ومن هنا يعرف ان المسألة الكلامية لا تكفي وحدها لحسم النزاع في بحث الجبر والاختيار فلنفرض اننا قلنا هناك بان الفاعل هو الإنسان وحده ، لكن يبقى احتمال كونه فاعلاً بلا اختيار كفاعلية النار للإحراق التي قد يقال فيها بأن الإحراق فعل للنار محضا ..
أما البحث في المسألة الأولى ـ فيوجد فيها بدوا خمسة احتمالات كالتالي :
١ ـ ان يكون الفاعل محضا هو الإنسان ولا نصيب لرب العباد في الفاعلية وهذا مذهب التفويض وهو مذهب المعتزلة وهذا يرجع بحسب الحقيقة إلى دعوى استغناء المعلول عن العلة بقاء إذ لو فرض حاجة الإنسان في وجوده البقائي إلى الله تعالى ووجوده البقائي هو علة أفعاله ، اذن لم يعقل إنكار ثبوت نصيب لله في الفعل عرضياً وطولياً وحيث ان هذا المبنى ساقط كما حقق في موضعه من الكلام والفلسفة إذ برهن على ان المعلول بحاجة إلى العلة بقاء أيضاً يثبت بطلان التفويض وليس هنا موضع البحث عن تلك البراهين.
٢ ـ ان يكون الفاعل محضاً هو الله تعالى وانما الإنسان محل قابل لذلك الفعل من قبيل ما يفعله النجار في الخشب حيث ان الخشب ليس فاعلاً للفعل وانما هو قابل له وليس لمبادئ الإرادة في نفس الإنسان أي دخل في الفعل واقتران الفعل بالإرادة دائما انما هو صدفة متكررة فصدور الفعل من الله يقترن صدفة دائما مع إرادة الإنسان وهذا مذهب الأشعري وهذا الاحتمال هو الّذي ينبغي ان يكون مقابلا بالوجدان المدعى في كلماتهم حيث قالوا ان هناك فرقاً بالضرورة بين حركة المرتعش وحركة