فالعالم نافع فان هذه قضية بشرط المحمول ولا تكشف عن وجود النّفع للعالم بينما المقصود هو الكشف عن وجود النّفع له فإذا لم ترجع القضية بلحاظ المتعلق والمحمول إلى قضية شرطية اذن ففعليتها لا تتبع فعلية المتعلق بل المتكلم هو يملي علينا فعلية الطلب أو الاخبار عن النّفع الآن من دون ربط لفعلية ذلك بفعلية المتعلق ولا دليل من قبل هذا الطلب أو الاخبار على تعدد الفعلية فلا محالة لا توجد الا فعلية واحدة (١).
ويترتب على هذا البيان عدة أمور :
١ ـ ان الإطلاق بحسب طبعه الأولي في كل من المتعلق في الجملة الإنشائية والمحمول في الجملة الخبرية لا يكون شموليا بل يكون بنحو صرف الوجود.
٢ ـ ان هذه النكتة لا فرق فيها بين الأوامر والنواهي ، فمقتضى الطبع الأولي في النهي أيضا هو الانحلال في الموضوع وعدم الانحلال في المتعلق. وهذا يعني : انه لا يكون
__________________
(١) يمكن توضيح هذا المطلب ببيان آخر حاصله : ان كل قضية سواء كانت إخبارية أو إنشائية ناظرة إلى عالم الحقيقة والواقع خارج الذهن وهذا يعني ان الذهن من خلال القضية ينظر إلى عالم الواقع اما اخبارا لإثبات مفهوم فيه أو نفيه أو إنشاء لإيقاعه أو الانتهاء عنه ومن الواضح ان المحمول والمتعلق لا بد وان يكون بمقتضى هذا اللحاظ مفهوما صرفا لا وجودا وواقعا لأن هذا خلف ان المراد إثباته أو إنشائه وهذا بخلاف الموضوع فقد يكون واقعا كما في قولك العالم مفيد أو العلم نافع وقد يكون مفهوما كما في قولك العالم موجود فان هذه القضية انما لم ينحل إلى وجود كل عالم لأن الموضوع فيها لوحظ كمفهوم أريد الاخبار عن وجوده كالمحمول والمتعلق تماما ولم يلحظ كمصداق وواقع وهذه هي نكتة عدم الانحلال في طرف المحمول ومتعلق الأمر والنهي ، نعم يبقى الفرق بين متعلق الأمر ومتعلق النهي وكذلك بين الإيجاب والسلب من حيث الانحلال العقلي الّذي يشير إليه صاحب الكفاية ( قده ) حيث ان نفي الطبيعة والمفهوم في الخارج لا يكون الا بانتفاء تمام حصصها بخلاف وجودها فانه يكفي فيه وجود فرد واحد منها تماما كقولك العالم موجود والعالم معدوم.
وعلى هذا الأساس يكون الضابط النوعيّ للانحلال وعدمه ان كل طبيعة تلحظ كمفهوم صرف يراد الحكاية عن ثبوته أو نفيه في الخارج اخبارا أو يراد إيقاعه أو إعدامه إنشاء لا محالة لا تكون منحلة سواء وقعت بحسب النسق الأدبي وتركيب الجملة موضوعا أو محمولا وكل طبيعة تلحظ في القضية كواقع في الخارج مفروغ عنه يراد إثبات شيء له أو نفيه عنه تكون صالحة للانحلال فتارة : يؤخذ معها قيد الوحدة والتنوين فلا انحلال وأخرى : تلحظ بما هي سارية في تمام افرادها أي تلحظ افرادها وهذا هو الانحلال العمومي المستفاد من أدوات العموم ككل وجميع. وثالثة : لا يلحظ الا ذاتها بما هي في الخارج وهذا هو الانحلال الإطلاقي الذاتي حيث ان ثبوت شيء للطبيعة يقتضي بالذات ثبوتها في تمام فعليات تلك الطبيعة في الخارج وبناء على هذا الضابط لا بد من ملاحظة قيود الواجب هل هي قيود للطبيعة المتعلق بها الأمر في مرتبة سابقة على الأمر فلا تلحظ الا كمفهوم محصص يطلب إيجاده فلا انحلال نظير قولنا تيمموا صعيدا أو اغتسلوا بالماء فان قيد الصعيد والماء تحصيص لمتعلق الأمر وليس بحسب هذه الجملة قيدا لأصل الإيجاب واما إذا كانت القيود راجعة إلى أصل الأمر والإيجاب فلا محالة يمكن ان يكون الأمر منحلا بلحاظها من قبيل صل عند الفجر أو دلوك الشمس.
والظاهر ان هذا هو روح مقصود سيدنا الأستاذ الشهيد ١ الشريف.