وأمّا هذه الأخبار الدالّة على التقييد بكون الوضوء قبل التغسيل فلا تنافي بينها وبين الأخبار المطلقة ليحمل على المقيد ، فان حمل المطلق على المقيد إنّما هو من جهة التنافي بينهما ، لدلالة المقيد على الإلزام بالتقييد ، والمطلق ينفيه ومن ثمة حمل المطلق على المقيد في الواجبات. وأمّا في غير الإلزاميات فلا تنافي بينهما كي يحتاج إلى الحمل ، إذ لا إلزام في المقيد ، بل يؤخذ بكلا الدليلين ويحمل المقيد على أفضل الأفراد ومن هنا ذكر الماتن قدس‌سره أنّ الوضوء مستحب وإن كان الأولى أن يكون قبل الغسل ، هذا.

والصحيح عدم استحباب الوضوء بعد غسل الميِّت ، وذلك لأنّه يتوقف على أمرين لا نلتزم بشي‌ء منهما.

أحدهما : أن يقال باستحباب العمل الّذي بلغ فيه الثواب ، والالتزام بالتسامح في أدلّة السنن بالمعاملة مع الرواية الضعيفة معاملة الرواية المعتبرة ، أو القول بأن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتبار ، لأنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة.

وثانيهما : أنّ الرواية الضعيفة تقتضي استحباب العمل ولو كانت معارضة بما يدل على عدم استحبابه ، وذلك تمسّكاً بإطلاق أخبار من بلغ ، لدلالتها على استحباب العمل الّذي بلغ فيه الثواب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عارضتها رواية أُخرى أم لم تعارضها ، وذلك لاحتمال أن تكون الرواية الدالّة على الاستحباب مطابقة للواقع. إذن يمكننا في المقام الحكم باستحباب الوضوء بعد غسل الميِّت للرواية المتقدِّمة الدالّة على أن في كل غسل وضوءاً إلاّ الجنابة ، وإن كانت ضعيفة بالإرسال لأن ابن أبي عمير يرويها عن حماد بن عثمان أو غيره ، ومعارضة بصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الوضوء بعد الغسل بدعة » (١) فان كل بدعة ضلالة ، والضلالة في النار.

إلاّ أنّ شيئاً من الأمرين المتقدمين بل الأُمور الثلاثة لم يثبت بدليل ، لعدم دلالة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٤٥ / أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٩.

۳۸۳