ويتحصل مما ذكرنا ان ما جاء به المحقق الأصفهاني لا نعرف له وجها وجيها.
ثم انك عرفت ان الصحة تثبت للشيء بلحاظ ترتب الأثر المرغوب عليه ، كما ان الفساد يثبت له بلحاظ عدم ترتبه.
وهذا المعنى ينتقض بكثير من الموارد التي لا يتصف الشيء بالصحّة والفساد بلحاظ ترتب اثره وعدمه كالخمر الحرام وغير الحرام ، فان الأول لا يتصف بالصحّة كما ان الثاني لا يتصف بالفساد. وكالسفر الموجب للقصر وغير الموجب له ، فان الأول لا يتصف بالصحّة والثاني لا يتصف بالفساد. وهكذا الحال في كثير من موضوعات الأحكام.
ويندفع هذا النقض : بان الاتصاف بالصحّة والفساد ليس منشؤه ترتب الأثر وعدمه مطلقا ، بل منشؤه ترتب الأثر المترقب عادة من العمل ، بحيث يكون المنظور في إتيان العمل عادة ترتب هذا الأثر ، فترتبه يوجب الاتصاف بالصحّة وعدم ترتبه يوجب الاتصاف بالفساد ، ومن الواضح انه لا يلحظ في إيجاد الخمر عادة ترتب الحرمة عليه ، بل الملحوظ هو الإسكار ، فلو ثبت إسكاره كان خمرا صحيحا ومع عدم كونه مسكرا كان خمرا فاسدا. والبيع انما يتصف بالصحّة لو ترتبت عليه الملكية لأنه الأثر المترقب منه عند إيجاده. وهكذا.
وبعد هذا نعود على ما كنا عليه من معرفة ان الصحة مجعولة أو لا؟. وقد عرفت عدم تمامية ما أورده المحقق الأصفهاني على صاحب الكفاية. فيتعين الالتزام به لأنه مما يتلاءم مع الوجدان والبرهان كما عرفت.
وقد ذهب المحقق النائيني قدسسره إلى التفصيل بين الصحة الواقعية والصحة الظاهرية ، فالتزم بالمجعولية في الثانية دون الأولى ، فانه بعد ان تعرض مفصلا إلى تحقيق مفهوم الصحة وان الملاك فيه هو انطباق المأمور به على المأتي به في العبادات وانطباق ما اعتبره الشارع سببا للأثر على المعاملة الخارجية