وقد يتخيّل : أنّ ما أفاده في الكفاية انّما يتمّ لو كان النّهي عبارة عن الزّجر عن الفعل ، إذ يقال انّ متعلّقه صرف الوجود. امّا بناء على انّ النّهي عبارة عن طلب التّرك ـ الّذي عليه صاحب الكفاية وهو المختار ـ فلا يتمّ ما ذكر ، إذ متعلّق الطلب هو صرف ترك الفعل ، وهو كصرف الوجود يتحقّق بأوّل ترك فلا يتوقف امتثال النهي على ترك جميع الافراد لتحقق صرف الترك بدونه (١).

ولكن هذا التخيل فاسد ، فان النّهي وان كان بواقعه عبارة عن طلب التّرك ، إلاّ انّك عرفت انّ هذا الواقع يبيّن وينشأ بمفهوم الزّجر عن الفعل للملازمة بينهما.

وعليه ، فالمنشأ هو طلب التّرك الّذي يكون لازم الزّجر عن الفعل ، وهو ليس صرف وجود التّرك بل جميع التّروك.

وبالجملة : ما يقصد إنشاؤه وهو لازم المعنى المطابقي للفظ الّذي هو الزجر والمنع عن صرف وجود الفعل ، وقد عرفت ان لازمه هو جميع التروك لا صرف الترك ، فالمنشأ هو طلب جميع التروك لا طلب صرف الترك.

فالمتحصّل : ان النهي لا يكون امتثاله إلا بترك جميع الافراد ، سواء قلنا انه واقعا طلب الترك أو انه الزجر عن الفعل. فافهم جيّدا وتدبّر فان المقام لا يخلو عن دقّة.

ثمّ ان صاحب الكفاية أشار في ضمن كلامه وبقوله : « ومن ذلك يظهر ان الدوام والاستمرار انما يكون ... إلى آخره » (٢) إلى شيء :

وهو : ان الجزم بتوقّف امتثال النهي على ترك جميع الافراد انما يكون بإحراز كون مدخول النهي هو الطبيعة المطلقة ، وذلك انما يكون بإجراء مقدمات

__________________

(١) الفياض محمد إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ٤ ـ ٩٠ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٤٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

۴۸۰۱