ورابعا : ان الظفر بالأمارة ليس ظفرا بالمنجز ، بل المنجز ملتفت إليه من السابق وهو الاحتمال ، لأن الاحتمال قبل الفحص يكون منجزا. مع ان مقتضى ذلك كون المنجز في كلا الطرفين لا في أحدهما ، لأن الشبهة في كلا الطرفين قبل الفحص تكون سببا للتنجيز. فبملاحظة هذه الخصوصية ـ أعني خصوصية الشبهة قبل الفحص ـ لا يكون المورد من موارد انحلال العلم الإجمالي ، بل العلم الإجمالي لا أثر له من أول الأمر ، لقيام المنجز على كل طرف من أطرافه بخصوصه. فتدبر.
الوجه الخامس : ما ذهب إليه المحقق العراقي قدسسره من الانحلال الحكمي بتقريب : ان تنجيز العلم الإجمالي يعتبر فيه ان يكون العلم الإجمالي صالحا للتنجيز بنحو الاستقلال في كل طرف من أطرافه ، ومع قيام المنجز من علم أو أمارة أو أصل على بعض أطرافه يخرج العلم الإجمالي عن تمام المؤثرية واستقلاله فيها في ذلك الطرف ، فيسقط عن التنجيز (١).
وهذا الوجه كسوابقه مردود ، فان اعتبار قابليته للتنجيز بنحو الاستقلال في منجزيته مصادرة مما لا دليل عليه ، بل الشاهد على خلافه كما تقدم من مثال اشتراك العلمين الإجماليين في طرف واحد ، فقد عرفت انه لا إشكال في تنجيز كلا العلمين ، مع ان كلا منهما لا يستقل في التأثير في الطرف المشترك بينهما.
وبالجملة : المثال المزبور كما يدفع دعوى المحقق الأصفهاني ان المنجز لا يتنجز ، كذلك يدفع دعوى المحقق العراقي.
والمتحصل : انه لم ينهض وجه من هذه الوجوه لإثبات الانحلال المتسالم عليه ، والمأخوذ بنحو إرسال المسلمات أصولا وفقها ، بحيث يستلزم إنكاره تأسيس فقه جديد.
__________________
(١) العراقي المحقّق الشيخ ضياء الدين ، مقالات الأصول : ٢ ـ ٦٦ ـ ٦٧ ـ الطبعة الأولى.