لأن الّذي يترتب على الأمارة بدليل التنزيل هو الآثار العملية الجعلية الشرعية أو العقلية ـ كالمنجزية ـ ، دون الآثار التكوينية الناتجة عن الأسباب التكوينية الخارجة عن عالم الجعل والتشريع. ومن الواضح ان انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيليّ من آثار العلم التكوينية لا الجعلية ، فلا يثبت تعبدا بدليل التنزيل.
وأما دعوى الانحلال التكويني الحقيقي بالعلم التفصيليّ ، فهي انما تصح بناء على تعلق العلم الإجمالي بالجامع أو الفرد المردد.
أما بناء على ما اخترناه من تعلقه بالفرد الواقعي المعين في نفسه المردد لدى العالم بين الطرفين ، فلا تصح الدعوى المزبورة ، لأن العلم التفصيليّ بنجاسة أحد الإناءين المعين لا يزيل العلم بنجاسة ما وقعت فيه قطرة البول المردد بين الإناءين.
ومن هنا يظهر بطلان دعوى الانحلال الحكمي في الأمارة قياسا على الانحلال الحقيقي في العلم ـ مع قطع النّظر عن الإشكال السابق فيه ـ لعدم ترتب الانحلال على العلم.
ثم إن المحقق العراقي قدسسره أورد على ما ذهب إليه هذا القائل من تحقق الانحلال التكويني بالعلم التفصيليّ بالتقريب المتقدم. وبدعوى الوجدان بعدم العلم بأزيد من حرمة أحد الإناءين معينا ، أورد عليه : بان مجرد تعلق الإجمالي بالجامع لا يقتضي انحلاله بقيام العلم التفصيليّ على التكليف في بعض الأطراف ، لأنه كما يحتمل انطباقه على الطرف المعلوم تفصيلا يحتمل بالوجدان انطباقه على الطرف الآخر ، ووجود هذا الاحتمال كاشف قطعي عن بقاء العلم الإجمالي ، لأنه من لوازمه ، إذ لا يمكن بقاء هذا الاحتمال بلا بقاء ملزومه وهو العلم الإجمالي (١).
__________________
(١) تعليقة فوائد الأصول ٤ ـ ٤١ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.